بحوث ودراسات

مضر أبو الهيجاء يكتب: خالد مشعل بين القرضاوي ورائد صلاح والملالي 

إن تصريح ودعوة الأخ خالد مشعل لعلماء الأمة لإصدار فتوى وجوب القتال لاستنقاذ القدس خطوة واجبة وان كانت متأخرة ولكنها مطلوبة وواجبة ويزداد وجوبها كل يوم مع تقدم الصهاينة في مشروعهم لابتلاع الأقصى والقدس وعموم أرض فلسطين المباركة .

فهل ترقى دعوة أبي الوليد لتكون خطوة في بداية مشروع التصويب لمسار المقاومة الفلسطينية الإسلامية التي خرجت عن السكة منذ لحظة ارتباطها بملالي إيران ومحور المقاومة وما يرتبط به من ذيول كالميليشيات الشيعية والنظام النصيري؟

إن دعوة الأخ خالد مشعل – سليل مدرسة الشيخ عمر الأشقر وتيار الشيخ المجاهد عبد الله عزام – لعلماء الأمة لإصدار فتوى بوجوب القتال لتحرير القدس بداية موفقة يجب تلقفها من قبل العلماء والبناء عليها لتصويب مسار المقاومة الذي انحرف وخلط حقا بباطل حتى ضل الطريق.

إن خلو دعوة مشعل من الإشارة لمحور المقاومة وملالي إيران وتولية وجهه قبل بوصلة العلماء بداية تصويب القبلة الثورية الجهادية في أقدس بقاع الأرض، لاسيما وقد اخترقها أنجس أهل الأرض من الطوائف التي استباحت دماء الموحدين واحتلت بعد أن أحرقت بلاد العرب والمسلمين.

توفي الإمام القرضاوي رحمه الله تعالى في مثل هذا اليوم وصلى عليه ودعا له خالد مشعل، فهل سيقتدي المأموم بسيرة وسوية وشجاعة الإمام، وهل سيحفظ أمانة الدين؟

لقد برز صدق وتواضع العلماء في موقف العلامة القرضاوي رحمه الله حين وفقه الله لتصويب مساره ونهجه وتصوره للشيعة وإيران – بعد أن عمل معهم ردحا من الزمن على أمل إطفاء النيران المشتعلة في واقع الأمة والتي تهدر طاقاتها  – فأعلن هذا التصويب على الهواء مشيرا بتواضع كبير لخطئه وصواب منهج من نصحه من إخوانه في هذا الصدد، دون تعال على الحق، بل خضوع لا يليق إلا بالعبد المؤمن الذي اجتباه الله إليه.

إن مناسبة وفاة العلامة القرضاوي اليوم في 26/9/2022 والتي توافقت مع دعوة خالد مشعل لعلماء الأمة في الواجب عليهم تجاه الأقصى السليب، مناسبة تستحق التوقف والبحث والمراجعة لمسار المقاومة الفلسطينية الذي خرج عن السكة منذ اللحظة الأولى التي تحالف فيها مع ملالي إيران – الذين يملكون مشروعا كامل الأركان لهدم الدين وتفتيت الأمة واحتلال بلدانها وسرقة ثرواتها وحرق مساجدها وقتل وخنق علمائها الربانيين- ، فهل يتوقف الاخ مشعل كما توقف الامام القرضاوي، وهل يراجع موقفه وموقف الحركة كما راجع القرضاوي، وهل يجهر بالحق وينصح الأمة كما نصح القرضاوي صادعا بالحق، وأخيرا وليس آخرا هل يتحمل حمل أمانة الدين كما تحملها وحملها القرضاوي قبل أن يلقى ربه ناصحا لأمته؟

هذا ما يتمناه كل مسلم غيور على الدين ومنحاز لأمة الموحدين.

إن نموذج الشهيد الحي الشيخ رائد صلاح الذي ثبت على الطريق وأمام المحن والفتن حينما رفض المسار الجديد والذي شرعه شيخه ورفيق دربه الشيخ عبدالله نمر درويش رحمه الله، وذلك في عام 1996 عندما اتجه للمشاركة السياسية في الكنيست الإسرائيلي معتبرا ذلك من مسائل السياسة الشرعية في خطوة ظنها تؤول إلى خير على الإسلام والمسلمين!

لم يتراجع الشهيد الحي الشيخ رائد أبوعمر فكان كالفاروق عمر عندما فرق بين الحق والباطل وشهد بالحق وهو حي، فأفتى بحرمة المشاركة السياسية في ظل وإطار محتل غاصب للأقصى ولأرض إسلامية وعدو للموحدين.

إن الأسمى في العلماء ليس الموت في سبيل الله، بل الحياة في سبيل الله، والنطق والجهر والصدع بما يحفظ دين الله ويرعى مصالح المسلمين معتبرا لوقائع حالهم منحازا لعمومهم بحيث لا يختزل الأمة في بقعة ولا قرية ولا جهة ولا عصبة ولا حركة، وإن كان نصفها شهداء والنصف الآخر مجاهدين.

لم يكن من بين العلماء الذين وقفوا هذا الموقف الحق في زمن التحديات الجسام الشيخ القرضاوي والشيخ رائد صلاح فقط، بل هؤلاء العلماء ورثة الأنبياء ترى أثرهم في حفظ الدين ورعاية أحوال المسلمين عبر تاريخ الأمة الإسلامية، سواء في وجود دولتها العادلة أم حينما ضعفت وحتى بعدما زالت، فالمعول عليه بعد ختم النبوة هو ورثتهم من العلماء الذين تميزهم الربانية والفهم الشامل العميق وشجاعة الموقف، وهم باذن الله كثير.

ليس المطلوب من العالم تحقيق الكثرة، ولا المطلوب من القائد الرباني جلب الأصوات، بل تبيين الحق وحفظه هو المناط.

لم يذكر الله سبحانه وتعالى بعض أنبيائه كزكريا ويحيى عبثا – تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا – رغم أنهم رحلوا ولم يؤمن بهم أحد!

بل لأن المقصود هو تبليغ رسالة الله وحفظ الدين والثبات عليه أمام سنة الفتن والامتحان التي لا مبدل لها.

لقد وجد الشيخ حارث الضاري في صورة وواقع وتحديات أكثر تعقيدا وأشد لظى من واقع فلسطين، فكان وبقي حتى قبض الله روحه وهو ثابت على المنهج القويم في حفظ الدين نقيا ورعاية شعبه واستيعاب أعراقه ومذاهبه المتناحرة.

لقد بقي الشيخ الشهيد – نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا – الرئيس محمد مرسي ثابتا على دينه حريصا على نقائه ورفده، راعيا لشعبه، ولم يقبل أن يتنازل عن دينه أمام ضغوط الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي الذي عرض عليه في سجنه ما تتوق إليه كثير من الحركات اليوم مقابل أن يقبل بالإسلام السياسي الديمقراطي في الحكم .

رفض مرسي التنازل عن دينه، ولم يفت لنفسه ولم يجمع بعض التواقيع ليسوغ تنازله، بل ثبت على حمل الأمانة حتى فارقت روحه جسده – رحمه الله وجمعه بيحيى وزكريا عليهما السلام -، صحيح أنه خسر الرئاسة ولكن المشروع الإسلامي حفظ وانتصر في جانب نقائه وبقائه على التوحيد، لم يبق الإسلاميون في الحكم في مصر ولكن لم يستطع الغرب أن يعلمن الدين من خلال رواده في أرض الكنانة، ولم يكن حال مرسي رحمه الله كمن كسب الرئاسة وخسر المشروع الإسلامي بعلمنة الدين .

إن الأموات كما الأحياء الثابتين على الحق والدين رغم الفتن والمحن، حجة علينا أمام الله ، وإنني – والله يشهد – أشعر بالخيبة والخجل والغيرة والحياء عندما أنظر لتجاربنا الإسلامية في تونس وتركيا وحتى في فلسطين وأنا أرى أمامي رجلا كالشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل سواء في عمق فهمه وقوة بصيرته وشجاعة موقفه وتوفيق الله له بالثبات وهو حر طليق كما هو الآن في محبسه، فرج الله عنه وعن علمائنا الربانيين المأسورين في سجون الظلمة والطواغيت .

إن مدار الإفساد والإصلاح مرتبط بالعلماء الرساليين ودورهم العظيم .

فهل يقتدي خالد مشعل بهؤلاء العظام والمعاصرين الذين ساروا على نهج النبيين، وهل يكون أبي الوليد في مستوى حمل أمانة الدين قبل أن يقبض الله روحه، وليرضى عنه الله ويجمعه بإمامه الشيخ القرضاوي وبكوكبة من العلماء الذين يخشون الله حق خشيته ؟

اللهم وفق عبدك لما يرضيك واكتب على يديه تصحيحا لأوضاع المسلمين في فلسطين .

مضر أبوالهيجاء فلسطين-جنين 26/9/2023

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى