الأخ الداعية والمجاهد أبو الوليد خالد مشعل حفظه الله وأمد في عمره وختم له بالشهادة التي لطالما تمناها، نحسبه من أهلها ولا نزكي على الله أحدا، وبعد:
أخي الحبيب أبا الوليد هالني ما سمعته وتابعته اليوم من دعوات صادقة متألمة نابعة من قلوب مجروحة متأثرة وصادقة من قيادات الحركة ومن العلماء الغيورين، حيث تستنهض الشعوب وتحمل المسؤولية لحكام الأنظمة العربية وتقيم عليهم الحجة أمام الله ثم عباده المؤمنين!
وأقول: إن ما يميز القائد المسؤول هو أنه لا يردد كلام العوام ولا ينطلق من العواطف، ولا يتوقف عند استجرار المشاعر، بل ينطلق من الواقع الموضوعي المقروء، محاولا صنع الوقائع من خلال الوسائل الممكنة، وهو في ظني واجب الوقت.
لم نعد اليوم نتحدث عن معركة تحرير شاملة، ولا تحرير للأقصى، ولا تبييض للسجون، ولا فك للحصار عن غزة، بل بات هدفنا الأول والأكبر هو إيقاف القتل من خلال إيقاف المعركة وإدخال الطعام!
وليس خطأ استهداف ما سبق في ظل تحولات دراماتيكية وعلو صهيوني وحلول أمريكي وخيانة وتواطئ من قبل النظم العربية – وليست الشعوب المتحرقة-.
لكن المهم الآن هو أن نخرج من هيمنة حساباتنا الخاطئة وتصوراتنا القاصرة، بحيث يكون الحل الذي تطرحه القيادة الصادقة قابل للتطبيق وليس استجرار للعواطف ومزيدا من الردح والعويل!
فكيف يتصور أحد منا أن النظم العربية التي لديها مشكلة مع الله جل جلاله، وهي قائمة على حرب الدين وأهله، وقضت قرنا كاملا في تعذيب الشعوب وإعدام العلماء وملاحقة المصلحين، استخذاء منها أمام الغرب الصليبي الذي مكنها من الحكم، وخضوعا منها للإدارات الأمريكية المتعاقبة.. أقول كيف نتصور أن فيها رجاء لنصرة الحق وإطعام أهل غزة، وهي قاتلة لشعوبها وهاتكة لأعراضها قبل أن تكون هناك مأساة في فلسطين!
أخي الحبيب أرجو منك أن تتقبل مني ملاحظة ومقترح، وهما:
أولا الملاحظة:
أليس من الغش للأمة العربية والإسلامية أن تقوم استراتيجية المقاومة الإسلامية في فلسطين على الحلف مع المشروع الإيراني خلال ثلاثة عقود ونيف، ثم يكون التعويل على إيران ومفهوم وحدة الساحات أرضية للزج بالمجاهدين في واد سحيق تسبب في تدمير ما تم إعداده خلال ربع قرن، وهلاك المجاهدين وعائلاتهم وشعب غزة وجزء من أهل الضفة وكثير من المجاهدين في مخيماتها ومدنها، ثم يكون خطاب جميع القيادات الحمساوية اليوم إضافة للعلماء الصادقين موجها للشعوب العربية والإسلامية، وموجها لإردوغان وتركيا، دون أي طلب من إيران وأذرعها، ودون مراجعة وكلمة صادقة وناصحة للأمة تعترف بخطأ الإرتباط بإيران رعاية لمستقبل الأمة، بعد تعرية الملالي الإيرانيين المجرمين، على الأقل أسوة بتعرية حكام العرب الطواغيت والظلمة!
ثانيا المقترح:
سمعت المطالبات العالية الصادقة والمحرجة لإردوغان من قبل العلماء وقادة الحركة، وأقول: ما الذي زاد عند أردوغان على ما مضى من مشاهد ومعاينة للإجرام الصهيوني خلال عامين، دون أن ينجز خطوات تحدث منعرجات مؤثرة.
أليست هذه المطالبات مكررة معروفة مفهومة لديه منذ عامين، فما الذي يمكن أن تجنيه فلسطين من تحشيد الناس أمام قصر أردوغان في أنقرة؟
وهل يقدر أردوغان على المغامرة في ظل الأوضاع الحالية التي تتوسط وتحيط بتركيا المستهدفة، لاسيما وسورية اليوم مزلزلة ومنعرجاتها على تركيا حاسمة ومدوية؟
أقترح عليكم بدل كل هذا الشحن العاطفي المكرر والذي لن يلد حلا، أن تجلسوا مع الرئيس أردوغان والذي له علاقة دولية بأمريكا وروسيا والصين والدول الفاعلة في المنطقة، وتقولوا له:
يا سيادة الرئيس رجب الطيب أردوغان، نحن في حركة حماس وقيادة غزة وبعد عامين من المعركة التي لم نستشرك فيها، نضع بين يديك كأخ أكبر وقائد في الإقليم فاعل ومؤثر، كل ما نملكه من سلاح ومجاهدين وأسرى، فهل تصوغ لنا حلا يخرجنا من الحرج والمهلكة، لاسيما وقد كنت بسياساتك سببا -بعد الله- بإنقاذ تركيا من مهالك عدة، ونحن يا سيادة الرئيس وأمام واقع شعبنا الذي يموت كل دقيقة من الجوع طوع يديك فامض ونحن خلفك.
وأقولها بصراحة:
إن مناشدة حكام العرب ضرب من البله والحماقة، فهم جزء من المصيبة ومتواطئون منذ القدم مع الصهاينة.
أما الرئيس أردوغان الذي نجح في حماية بلده وشعبه وجنبهم المهالك والمحارق الداخلية والخارجية ولم يرتكب أخطاءنا الإستراتيجية المدمرة، فإنه حتى وإن لم يخدم بعض قضايا الأمة بخطوة عملية، فإنه على الأقل لم يطعنها في الوجه ولا في الظهر كحال حكام النظم العربية.
أخي الكريم أبو الوليد.. إن المرحلة فاصلة وتاريخية، وشعبنا يباد من قبل الوحوش أمريكا المتصهينة والقوى الهمجية الإسرائيلية، وإن فلسطين لن تتحرر من داخلها وإنما خارجها هو من يحررها كما في كل التاريخ، فلنقم بمراجعة جادة وصادقة، ونبتعد عن أخطاء الماضي، فلا توبة حقيقية دون التراجع عن أخطائنا السياسية.
رعاك الله يا أخي الحبيب وأيدك بالهدى
مضر أبو الهيجاء فلسطين-جنين 22/7/2025