الأحد يوليو 7, 2024
بحوث ودراسات

معركة «طوفان الأقصى» المشرفة.. هل ستطلق الموجة الكبرى لثورات الربيع العربي؟

مضر أبو الهيجاء يكتب: «طوفان الأقصى».. و«ثورات الربيع العربي»

من نافلة القول أن ثورات الربيع العربي التي انطلقت من تونس واشتعلت في ليبيا واليمن والعراق ومصر ثم تفجرت في سوريا، قد غيرت الواقع الجيوسياسي في عموم المنطقة.

تلك الثورات المباركة التي بذلت فيها الأنفس والدماء قد حققت نجاحا مبهرا في جانب الهدم للأنظمة الطاغوتية وأجهزتها الأمنية، التي بلورها وحدد أدوارها الغرب الصليبي الذي كان يحتل بلادنا بشكل مباشر، فصار يحتلها ويديرها بشكل غير مباشر من خلال ملوك وأمراء ورؤساء يسمون عربا.

لكن الثورات العربية المباركة لم تتجاوز مرحلة الهدم إلى مرحلة البناء بسبب قصور ذاتي وتفوق موضوعي، وذلك حين تدخل الغرب بشكل مباشر ليعيد تماسك ما تهدم من منظومات الحكم التي زرعها في عموم المنطقة العربية ودولها.

لقد نجح وأنجز الغرب اللعين في ثلاث خيارات ومسارات ليمنع الشعوب العربية الانتقال من مرحلة الهدم إلى واجب البناء الذي يبلور الثمرات المرجوة من أنهار الدماء التي سالت في ثورات مباركة.

المسار الأول:

تعزيز نظم الاستبداد المتوحشة سواء من خلال إعادة إحياء النظام وتغطية جرائمه سياسيا ومده بكل عناصر القوة والحيوية كما حصل مع سفاح الشام بشار الأسد، أو من خلال استبداله للشخصيات المستبدة الضعيفة والمترهلة كما حصل حين اقتلع سارقين ثقيلين متخمين بالفضة والذهب كما حصل مع شين العابدين في تونس وحسني اللامبارك في مصر، الأمر الذي دعاه لإنجاز الانقلاب العسكري الشنيع في مصر وتعزيز دور المتوحش السيسي، فيما فتح الباب على مصراعيه أمام الزومبي قيس سعيد ليعبث في البلاد والعباد والدولة والدستور وينتهي لوأد الثورة من حيث بدأت، أو من خلال إيجاد شخصيات مرتزقة قاتلة تقوم بالأدوار القذرة بلا أي انتماء لهذه الأرض كما حصل في ليبيا والسودان معززا لهذا الدور القذر  .

المسار الثاني:

صناعة مكونات إسلامية هجين، ترفع شعارات الإسلام عاليا وتلهب شعور الجماهير، فيما تمزق أحشاء الثورة، وتعبث بعقول وفكر المسلمين كداعش وأخواتها التي تتموضع كل منها في مساحة ثورية لتجيد التخريب والتمزيق والتشتيت للأجسام الصادقة، كما حصل وتجسد بشكل فاعل في العراق وسورية، وقد عزز هذا المسار حالة تدني الوعي أو الارتباط المشبوه عند بعض الشخصيات الدعوية السلفية التي تقيم في دول مضبوطة أمنيا، فيما تتمتع تلك الشخصيات بالقدرة والحرية والمساحة الكافية للكلام، والذي يبدأ بالحديث عن عقيدة الولاء والبراء والأصول الثلاثة، فيما ينتهي لتوجيه الطاقات الشبابية وإتلافها بشكل مؤلم مرة مع القاعدة ومرة مع تنظيم الدولة ومرة مع داعش ومرة مع النصرة أو الهيئة، وهكذا دواليك كلما كان التوجه الأمني يستهدف تبديل المعادلات على الأرض، يخرج الشيخ الداعية الشاب متحدثا بحماس كبير عن عقيدة الولاء والبراء ثم يقفز للثناء على أخوة العقيدة والمنهج موجها الطاقات الشبابية إلى جسم من الأجسام التي فرختها القاعدة وداعش واخواتها تحت أعين الغرب وأجهزته الأمنية الواعية.

المسار الثالث:

تعزيز دور ملالي إيران في مساحات رخوة تسمح وتنذر بإمكانية تحقيق نهضة، تنهض فيها الشعوب وتحقق قفزة كبرى، أو من خلال مد نفوذ ملالي إيران ومكوناتهم القتالية والسياسية لتضمن أمن إسرائيل الهشة، ولتضبط المعادلة الثورية حتى لا تفضي في كل حالاتها للمس بإسرائيل على اعتبار أن إيران هي سيد المقاومة وراعيها وقائدها والمتحدث باسمها والمقرر لها سياسيا، وقد أثمر هذا الخيار والمسار في ضبط لبنان وشل العراق ومصادرة سورية، وبقي الأردن خارج المعادلة، الذي استدعى تحشيد الميليشيات الشيعية على طول حدوده مع العراق ليقوم بما يجب في حال خروج الحالة الشعبية من بين يدي ملك الأردن وأجهزته الأمنية وجيشه.

وقد أثمر المسار الأخير في ضبط إيران معادلة المنطقة لصالح إسرائيل وممارستها سحق غزة بشكل مريح، وذلك في أبشع حروب القرن الدائرة الآن، والتي كانت عصية على الضبط بعد ثورات الربيع العربي وهلهلة الأنظمة لولا مد نفوذ إيران في محيط فلسطين وفي الدول التي تهدد وجوديا الكيان الإسرائيلي كما هو حال العراق المجيد.

إن معركة طوفان الأقصى المشرفة والتي  تدور رحاها على أرضنا المباركة وبجوار الأقصى سبب حقيقي ومباشر لإطلاق الموجة الثانية لثورات الربيع العربي لاستكمال عملية الهدم والشروع في البناء، لاسيما والشعوب العربية والإسلامية ترى بوضوح كل من :

انحياز عموم الغرب لإسرائيل، ومشاركة مباشرة لدول غربية كبريطانيا وفرنسا، وإدارة كاملة من قبل أمريكا للمعركة، وهي صورة تجسد حالة الاعتداء مائة بالمائة تجاه أهم قضايا الأمة العربية والإسلامية في أرض المسجد الأقصى المبارك.

تواطئ الأنظمة العربية بشكل مباشر كما هو حال الإمارات ومصر السيسي، وبشكل غير مباشر بضبط الحدود ومواجهة الهبة الشعبية كما هو حال المملكة الأردنية التي صنعها الغرب لتكون الدولة العازلة pover stat، أو من خلال أنظمة ودول تجيد تنفيس الحالات الشعبية وتمنع أي تشكيل يبنى عليها كما هو عموم دول المغرب والمشرق العربي.

الغدر الإيراني الذي دفع المجاهدين لرفع السقف للدرجة العاشرة، ثم تخلى عنهم وولاهم دبره، وبدأ بشكل مكوكي نسج السياسات مع الأمريكان للحيلولة دون توسيع رقعة المعركة، حتى يتم قضم الفلسطينيين بقسوة مفرطة، وهو دور معروف وثابت في كل حقب التاريخ الإسلامي حيث كانت ولا تزال الطوائف الباطنية ثغرة في خاصرة الأمة ينفد من خلالها المشروع الغربي الصليبي وينال من المسلمين، وكما أن أمريكا قد منحت إيران نفوذا حقيقيا في أربع دول في المنطقة، فإن إيران وهبت أمريكا والغرب فرصة لقضم وتفكيك أهم حالة جهادية فاعلة وواعدة في فلسطين يمكن أن تحدث تغييرا في حال اصطراع عالمي، وقبل أن تقوم بقضم وإزالة الكيان الإسرائيلي الصغير والحقير، قدمتها إيران وملاليها على طبق من فضة، وأوجدت مبررا لتحشيد عالمي ضدها.

العجز الفلسطيني القائم من خلال معادلة التنسيق الأمني القائم بين سلطة رام الله وإسرائيل بناء على اتفاق أوسلو المشؤوم، والمحدودية القائمة في ثورة الفلسطينيين سواء في الضفة الغربية التي يقطع أوصالها المحتل والمستوطنين المسلحين، أو قطاع غزة المحاصر والذي لا يملك اسباب الحياة بشكل ذاتي، الأمر الذي يجعله مختنقا ومرهونا لعوامل وأطراف ضاغطة.

إن الفرصة التاريخية الحالية -وفي ظل عجز عربي إسلامي عن إنقاذ فلسطين- مهيأة ومبررة لقلب أنظمة الحكم القائمة من خلال الثورات الشعبية عليها، لاسيما وقد تفشى فيها الفقر والقهر والظلم، وامتلأت سجونها بخير الخلق.

إن شروع الشعوب في ثورات الربيع العربي الثانية سبب مباشر لارباك التصور الأمريكي الذي يستهدف ضبط المنطقة لصالح هيمنته وتموضع وتفوق إسرائيل اللقيطة.

وإذا كانت الثورات سبب مباشر في التخلص من أنظمة مستبدة، جوهرها منظومة أمنية تعمل لصالح إسرائيل وفق التصور الأمريكي، فإنها ستفضي بشكل غير مباشر للتخلص من هيمنة المشروع الإيراني سياسيا على فلسطين وذلك من خلال مصادرته لحق المقاومة من أيدي الشعوب العربية، التي يجب أن تأخذ دورها الطبيعي والتاريخي في تحرير فلسطين بعيدا عن أسطورة محور المقاومة والممانعة.

وإذا كانت الإرادة الثورية في ثورات الربيع العربي الأولى قد جمعت إرادتين هما، إرادة حقيقية عند شعوب المنطقة بهدف استرداد هويتها وكرامتها، وإرادة غربية حقيقية في أحداث الفوضى الخلاقة والعبث بدول المنطقة، فإن ثورات الربيع العربي الثانية لن تكون إلا نتاج إرادة عربية وإسلامية شعبية مستقلة تماما.

لقد كشفت وعرت وفضحت معركة طوفان الأقصى المشرفة الغرب بأسره والمنظومة الغربية الرسمية كلها، كما بينت الاستخدام الإيراني للقضية الفلسطينية وحركاتها الثورية، إضافة إلى غياب مذهل لتنظيمات داعش وأخواتها، اللواتي لا تظهرن ولا تبرز أدوارهن إلا عندما تتقدم الشعوب وحركاتها الواعدة في مشروع نهضوي، حينها فقط تفتح شهيتها لتمزيق أوصالها وقتل شبابها وتصفية قاداتها وعلمائها، تحت عنوان العقيدة الصحيحة ومحاربة البدع وقتل المرتدين !

إن هبات الشعوب العربية والإسلامية الحالية مع فلسطين لن تفضي إلى إيقاف صاروخ أمريكي يطلقه الإسرائيليون على قطاع غزة لقتل أطفالها وتدمير بنيتها وتهجير أهلها بعد سحق مجاهديها، ثم التفرغ لمدن الضفة وقضم الأقصى.

إن الزحف نحو الحدود الفلسطينية واقتحام فلسطين والاشتباك مع الصهاينة من خلال الحدود المصرية أو الأردنية سيواجهه الجيش العربي الرسمي بالقتل وسفك الدماء بلا هوادة، فهو إذن تصادم مع النظام والأنظمة القائمة وهذا مدخل كبير وفاعل ومبرر لاستكمال الثورة وإسناد فلسطين وتغيير الموازين وقلب المعادلات القائمة وإنقاذ حقيقي للأقصى.

أما إن لم يحصل هذا وبقيت شعوب المنطقة دون كسر الطوق ورفع سقفها، فسوف تدخل في تيه تكتوي فيه جميعها بنيران تحرقها في كل مساحة ( نيران الأنظمة القائمة والغرب وإسرائيل والملالي الإيرانيين).

اللهم إنا نسألك نصرا مؤزرا لشعبنا وأهلنا ومجاهدينا في فلسطين، غزة والقدس والضفة، وفي مصر والعراق واليمن وليبيا وسوريا، وفي كل مكان يرفع فيه اسمك يا عظيم .

مضر أبو الهيجاء فلسطين-جنين 28/10/2023

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب