مقالات

مضر أبو الهيجاء يكتب: غزة بين النصر والعزيمة والهزيمة!

الخوف من التفكير

إن الصراع القائم بين الشعب الفلسطيني والمحتل الإسرائيلي هو في الأساس صراع حق وباطل في كل منحى وزاوية، فأيما نجاح تحقق في منحى وزاوية يمكن اعتباره نصر جزئي، وذلك في سياق طبيعة ميدان الصراع نفسه، والنصر في ميدان لا يلزم تحققه في ميدان آخر إلا وفق خطة متكاملة.

إن أهم ما يميز الحق هو الهدى المصاحب له، فأيما حق فارق الهداية فهو صراع لا يورث نصرا بل يحدث غلبة تستند لموازين الأرض بمعزل عن قوانين السماء، ومنه فوات الأجر وضياع النتائج بسبب خلل في النية يوجب هلاك صاحبه، وأبرز منه مخالفة قواعد ميدان الصراع وحساباته المعتبرة عقلا والموجبة للخسارة والفشل، وإذا كانت الأولى تشير لغياب الهدى على مستوى الفرد ونيته التي أشار إليها النبي محمد صلى الله عليه وسلم في أول من يجر على وجهه إلى النار، فإن الثانية يشير إليها غياب الهدى في جوانب مادية، كإدارة المعارك وفي المخالفات الميدانية، والتي نتج عن مخالفة أمر ميداني فيها خسارة عملية في غزة أحد.

وبكلمة يمكن القول إن الهدى المصاحب للحق والحقائق شرط في تحقق نصر الله، وهو ليس محصورا في الجوانب القلبية والمعنوية، بل يتجسد تماما في الجوانب المادية وإدارة المعارك وفق حسابات واقعية معتبرة في الصراع.

وقد يتساءل المرء حول دلالات الهداية، وبماذا تتجسد في قضايا الشأن العام؟

إن دلالات الهداية المصاحبة للمشاريع والقضايا المتصلة بالشأن العام مختلفة عن غيرها، حيث تجمع بين شرطين، أولاهما السعي لمرضاة الله من خلال التزام أحكام شرعه، وثانيهما تحقيق ما ينفع الناس والمحافظة عليه، لاسيما وعمارة الأرض أحد أهداف خلق الإنسان ورسالة وأمانة مرتبطة به.

وفي نظرة متفحصة أمام حالة الفرح المبكي الذي عم غزة وفلسطين والعالمين العربي والإسلامي عند بدء الهدنة، يمكن الوقوف على حقيقة جلية، وهي أن حجم الإجماع على تحقيق مصالح الناس تعين في وعي مجموع الأمة بوقف الحرب وانتهاء أوزارها التي جاوزت الحد، الأمر الذي يشير بوضوح إلى غياب الهدى والتوفيق في شكل تلك المعركة وإدارتها، دون المس بأصل مشروعيتها ولا التقليل من ركنية الجهاد ووجوبه في حالة وجود محتل غاصب، الأمر المتفق عليها.

ويمكن القول بوضوح ودون مجاملة، بأن النصر الذي تحقق وظهر في حجم إيمان وصمود الناس، يشير إلى حجم خطأ اجتهاد القيادات الحالية وجرمها الكبير، فما توفر في غزة من خامة النصر ومادتها الأساسية من أتباع مجاهدين ومضحين وحالة شعبية مصابرة، لم يتوفر في كثير من تجارب الأنبياء، الأمر الذي يضع تلك القيادات تحت المساءلة عن اهراق أنهار الدماء وهدر هذا الرصيد الكبير دون حسابات صحيحة مبنية على تصور قويم، يوازي بين النتائج -المقروءة عن فهم عميق وصحيح- وحجم التضحيات.

إن فساد التصور الأساس الذي بنيت عليه الاجتهادات الضالة وقادت لتلك المحرقة يتمثل في:

1/ الاعتقاد في واقع الحال -وليس المقال- بأن فلسطين يمكن أن تتحرر من الداخل.

2/ عدم القراءة الصحيحة لواقع ومخططات وقدرات المحتل الإسرائيلي وارتباطاته كمشروع وظيفي لأمريكا والغرب.

3/ بناء خطة المعركة على مفهوم وحدة الساحات الذي أفرزته تطورات العلاقة والحلف مع إيران، فلوثت بذلك العقل الجهادي في فلسطين، وحرفت بالكلية مسار التحرير حتى أخرجته عن السكة.

4/ انحسار مبدأ وعنصر القوة في الجانب العسكري، دون الانتباه لأهمية الجانب الديموغرافي.

5/ الافتئات الشرعي على عموم الأمة من خلال اعتبار أن الإعداد المطلوب شرعا للمواجهة والمعركة الكاملة مع العدو والمطروح بنص القرآن، هو إعداد على مستوى فلسطين التي رسم حدودها العدو اللعين، وتجاوز مفهوم الإعداد الواجب على عموم الأمة تجاه قبلة المسلمين الأولى، وتجاه أرض وقف اسلامية، هي جيب من جيوب إقليم الشام ولا ينفصل عنه عند الواعين.

6/ تضخم مفهوم الحكم والدولة على مفهوم المجتمع وقيمة الإنسان.

أعود فأقول إن الفرح العارم الذي اجتاح العالمين العربي والإسلامي لم يأت نتيجة فتح بيت المقدس، ولا هو نتيجة زوال الكيان الإسرائيلي، بل نتيجة هدنة لا ترقى لضمان انتهاء الحرب الحالية!

فهل يمكن أن تعاد تلك الكرة؟ وإذا كان الجواب بلا، لاسيما والأمة التي لا تجتمع على ضلالة قد اجتمعت على فرحها بوقف المعركة، فكيف يمكن المحافظة على مشروعية ووجوب جهاد المحتلين؟

إن هذا السؤال يشير إلى خلل كبير في التصور الفلسطيني الحالي للجهاد والمقاومة، وهو خلل لا يمكن تجاوزه دون مراجعة حقيقية صادقة، لا يبدو أنها مطرحة في عقول القيادات حتى اللحظة الراهنة!

نعم لقد انتصر الإنسان في غزة وفلسطين بصموده وصبره وإيمانه، وأثبت شعب فلسطين المجاهد عزيمته القوية دون الحاجة لقتل نصفه لإثبات تلك الحقيقة، ولكننا يجب أن نعترف بأنه قد انكشف عور مشروع المقاومة بتصوراته وخططه وارتباطاته الحالية، الأمر الذي أدى لتدمير غزة وبداية العلو الصهيوني.

مضر أبو الهيجاء فلسطين-جنين 20/1/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights