سيروي التاريخ لأجيالنا القادمة أن غزة شهدت أغرب معارك فلسطين خلال كل حقب الاحتلال لفلسطين، حيث نجح قادتها المقاومون المغامرون بإنهاء الجهاد فيها ليصبح هو الفريضة المغيبة، كنتيجة بديهية مقروءة ومتوقعة لخيارات قادة تلك المرحلة البائسة!
لم يكن الجهاد يوما مذموم النتائج، بل هو كالقصاص فيه حياة لأولي الألباب، وذلك إن توفرت شروطه السليمة ومورس على وجهه الصحيح.
سيكْتب التاريخ أن دور العلماء الربانيين والرساليين تجاه النصح الواجب لإخوانهم القائمين على الأمور في فلسطين كان ضعيفا وهشا،
ليعبر عن حال الأمة ويشير بوضوح لأحد أهم أسباب ضعف واضطراب تجاربها المعاصرة،
وذلك بسبب ضعف دور العلماء في وراثة النبوة والقيام بواجب التبيين في وقته اللازم وشكله الناجع والفاعل في التأثير.
سيكتُب التاريخ أن جمهور الوعاظ والدعاة كانوا يبحثون عن مشهد يتمنوه في غزة، لينظروا له ولا يجاوزونه لغيره، للدرجة التي أجلستهم على مقاعد المشجعين والمصفقين الذين تطيش عقولهم العاطفية في حدود ميدان صغير لا يجاوز حدود الملعب، ولا يفقه إلا مسألة واحدة!
سَيكتب التاريخ أن مجموعنا لا يميز بين قدسية الجهاد وبين السلوك الجهادي ونضج مشاريعه،
ولا يرى أخطاء في تجاربنا الجهادية في فلسطين، ولا في قراءاتنا القاصرة، أو في تحالفات بعضنا المنكرة،
أو في قرارات القيادات غير المسؤولة والمغامرة، لتبقى الأخطاء الواضحة التي تستحق الاستفاضة في الشرح والتوضيح والتدريس لأجيالنا الحالية والقادمة هي أخطاء الصحابة المعدلين في أحد وحنين!
ضعف مشاريعنا الإسلامية
إن ضعف مشاريعنا الإسلامية وهشاشتها بدأ عندما اختطف التنظيم الجماعة، فانتقل من رسالتها الأساسية إلى رؤيته كإطار له مصالح وتحالفات ومطامح،
وقد تأصل هذا الضعف المريع على أرضية تصور وسلوك سابق باتت فيه الجماعة بديلا عن الأمة ومقررة للمصالح والمفاسد المعتبرة ليس في إطار الأمة بل في حدود الجماعة!
ومع كل حكاية تجربة مختلة يفتح التاريخ صفحاته الثقيلة ليسجل روايته المرة التي لا تكتب مستقبل التنظيم ولا الجماعة،
بل ستروي كل يوم عذابات عموم الأمة وشعوبها خامة النصر المستنفدة.
فهل ستحدث صدمة غزة وفلسطين باعثا لإعادة النظر والتفكير، وتصويب الإدارة والتدبير عند من يحملون هم الأمة ويدركون معنى حمل الأمانة؟
أم سيقتدي إسلاميو اليوم بقوميي وبعثيي الأمس، ويبقوا مهللين ممجدين نصف قرن لخيارات تجاربهم بكبر يبرر كل سوء ويغطي كل إثم ارتكبوه، ولا يرون خطأ ثابتا الا عند الصحابة؟