مضر أبو الهيجاء يكتب: فشل القضية الفلسطينية المعاصر (2)
العذابات الفلسطينية بين النكبات والنكسات والانحرافات والسقطات وأشكال الزيغ والفشل.
1/ النكبة الفلسطينية بتاريخ 14/5/1948 والتي احتل بموجبها قطعان الصهاينة 79٪ من أرض فلسطين التاريخية، وتقع مسؤولية تلك النكبة على بريطانيا التي خططت لها ونقلت ومكنت بعد أن جمعت اليهود من أوروبا لتصنع لهم دولة على أرض فلسطين العربية، وتقوم بقتل وتشريد أهلها وساكنيها.
2/ النكسة الفلسطينية بتاريخ 5/6/1967، وهي حرب الأيام الستة التي قام بها الإسرائيليون بعد تواطئ عميق مع بعض الأنظمة العربية، وكنتيجة لسياسات ومناهج وممارسات النظام القومي العربي وعبد الناصر الذي حطم المجتمعات العربية وقهر المكونات الفاعلة واستعبد البشر وصادر كرامتهم واعتدى على إنسانية الإنسان، وصنع دولا وجماهير فاشلة، الأمر الذي مكن اليهود من احتلال القدس الشرقية والضفة والجولان وسيناء في ستة أيام.
3/ انحراف القضية الفلسطينية ومنعرج اتفاقية أوسلو بتاريخ 13/9/1993 وهي اتفاقية الخيانة والعار التي وقعها ياسر عرفات مع المحتلين متنازلا لهم عن أرض فلسطين التاريخية مقابل السلام الموهوم، وقد جاءت نتيجة شهوة ياسر عرفات بتولي سلطة، وخوفه الشديد من إيجاد أمريكا بديلا عنه وعن منظمة التحرير عام 1991 لاسيما بعد تراجع دول الخليج عن دعمه نتيجة وقوفه مع صدام في اجتياح الكويت، فكانت مغانم أوسلو له ولحركة فتح وقياداتها، وكانت مغارمها المدمرة على كل مكونات المشروع الفلسطيني ابتداء بالأقصى وانتهاء بالمجتمع الفلسطيني وكل ما يقع بينهما، وكانت أول آثامها إيقاف الانتفاضة الشعبية الأخطر في تاريخ الكيان الصهيوني، وهي انتفاضة الحجارة عام 1987 والتي قرأ الأمريكان والصهاينة مآلاتها الواضحة على محيط فلسطين لاسيما مصر العظيمة والأردن الحساسة والخطيرة، فقدموا لياسر عرفات الجزرة وقسموا ظهر الانتفاضة وفلسطين وشعبها بالعصا الغليظة.
4/ السقطة الفلسطينية والانقسام الفلسطيني بتاريخ 14/6/2007 والذي تحقق من خلال تفرد حركة حماس بقيادة قطاع غزة بعد عملية عسكرية انتهت بإخراج قوات السلطة الفلسطينية وحركة فتح دحلان، وذلك تحت إشراف الطرف الإسرائيلي وضمن تصوره للمستهدف والمطلوب، ولذلك فقد مرر كامل العملية وهو يرقبها عن قرب، وقد جاءت تلك الخطوة كثمرة طبيعية لمشاركة حماس في العملية السياسية في ظل الاحتلال وعلى أرضية اتفاق أوسلو الذي رفضته في المقال وتلقفته في واقع الحال فسارعت للدخول بحماس كبير في الانتخابات التشريعية بدافع شهوة السلطة متنازلة عن كل مقولاتها التي واجهت بها ياسر عرفات ومنعته من استكمال قطفه للثمرات في سياق مراحل اتفاق أوسلو، وقد وافق تفرد حركة حماس بالسلطة في غزة مطلبا إيرانيا أصيلا وعميقا يستهدف ايجاد يد لها في القضية الفلسطينية يعطيها شرعية ونفوذا في دول الإقليم والمنطقة كما ويمكنها من التفاوض بدرجة أعلى مع الأمريكان لتحسين تموضعها وتكبير حصتها في المنطقة، وزيادة على ذلك لتستخدمه في مسح أوساخها واخفاء شرورها المتطايرة، الأمر الذي دعا إيران لدوام الدعم المالي والسلاح المحدود والمدروس لتحقيق أهدافها في معزل عن فلسطين والأقصى وشعبها، وقد لعبت قطر والجزيرة دورا طليعيا ومطلبا أمريكيا في إخفاء ودفن شرور إيران وتجميل وتشريع وتمتين علاقتها مع حركة حماس.
5/ المذبحة الفلسطينية بتاريخ 27/10/2023 وهي المعركة التي أقرتها الإدارة الأمريكية ونفذتها الأداة الإسرائيلية متذرعة بعملية طوفان الأقصى التي أطلقها السنوار بالتوافق الاستراتيجي مع إيران، لتنتهي بذبح الفلسطينيين صغارا قبل الكبار، وتنتهي بإتلاف غزة وسحق أهلها.
وهكذا يسدل الستار عن نصف الجسد الفلسطيني، والذي هلك بسبب ارتهان المقاومة الإسلامية في غزة لإيران، وبسبب القراءة الخاطئة والتفرد المريض وشبق قيادة حماس وتمسكها بسلطة أنشأها المحتل في غزة كما الضفة.
ثم ليرفع الستار أمام مذابح جديدة سيشهدها النصف الثاني والأهم في معادلة التحرير وهي مدن الضفة الغربية والقدس.
من الواضح فيما سبق عرضه أن هناك شرورا فرضت على الشعب الفلسطيني وقضيته من قبل الغرب المستعمر الصليبي ومن قبل الصهاينة المحتلين، ولكن شرورا أخرى كثيرة جلبتها بنفسها القيادات والحركات الفلسطينية، وجعلت منها واقعا عليلا وبنت عليه وقائع خطيرة آذت الشعب الفلسطيني وسببت لقضيته وللأقصى تراجعا كبيرا!
وبنظرة سريعة وفاحصة لانحراف القضية الفلسطينية الذي أحدثه ياسر عرفات وحركة فتح عندما وقع اتفاق أوسلو مع المحتلين، يتبين أنه لم ينطلق في خطوته الآثمة من قراءة وتصور في مصلحة القضية الفلسطينية والأقصى المبارك، بل إن حجم التنازلات المجانية المريعة عن أرض العرب والمسلمين في فلسطين -والتي لا يملكها ياسر عرفات وليس له ولا لغيره حق التنازل عن ما لا يملكه- لا تبرره كل الوعود التي قطعها له الأمريكان وكل ما حصل عليه!