مقالات

مضر أبو الهيجاء يكتب: لا يفتى والشيخ سلمان الداية في غزة

شهادة في الدين

بغض النظر عن صحة الواقعة المنسوبة للمقولة الثابتة والمشهورة ( لا يفتى ومالك في المدينة )، إلا أن الإمام مالك كان إمام زمانه في المدينة حيث ولد  ومات فيها، وكان أكبر علمائها وأكثرهم فقها لمدرسة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

إن أحدا من أهل غزة لا يفوق الشيخ العالم سلمان الداية في فقهه لأحكام الدين، وتوفيقه في فقه التنزيل، وقد كان علمه وتميزه عن جميع أقرانه سببا في تعيينه مفتيا لغزة من قبل حكومتها، لاسيما وهو عميد كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية في غزة سابقا، والذي لا يزال يستفتيه الكبير قبل الصغير والعالم قبل الجاهل وأصحاب المناصب الشرعية الرسمية قبل وعاظ المنابر.

فكيف يستفتى أحد في غزة أو من خارجها، والشيخ سلمان الداية قائم فيها ومطلع على أوضاع الناس، وملم بالجانب الواقعي وتطوراته، كما إلمامه بالجانب الشرعي والفقهي؟

أليس من المفارقات العجيبة أن أكثر المستنكرين لنصح الناصحين حول النازلة الغزية، يرددون مع كل أذان وعلى جميع منابر المسلمين مقولة غير صحيحة بإطلاقها، ( لا يفتي قاعد لمجاهد ) وذلك بهدف تكميم أفواه الناصحين، ولجم عقول الناظرين المتدبرين، دون أدنى وعي بفهم تفصيلي لمعنى القعود عن الجهاد، ودون استحضار لفتاوى الإمام أحمد بن حنبل للمجاهدين وهو بعيد عن ميادين القتال!

وإذا كان رأي القائمين في ميدان الجهاد مقدم على سائر الخلق، وسبب موجب لتوقف النصح والنقد! فلماذا لا يقدم رأي واجتهاد عالم غزة وفقيهها عن غيره من العلماء -لاسيما من المقيمين خارج غزة، وغير المعاينين لأوضاعها وتجاربها خلال قرن- وهو المتقدم عنهم في معاينته واقع الحال، وذلك أمر معتبر في الوصول للحكم الشرعي، وأصل في فقه التنزيل وشكل الإجتهاد؟

وإذا كان سكوت الناس خارج غزة واجب أمام ميدانية القيادات التي تدير العمل القتالي بغزة، فإن استماع العلماء من خارج فلسطين واجب تجاه علمائها القائمين فيها والمدركين لكل جوانبها، لاسيما وهم الأرجح رؤية وإصابة في فقه التنزيل.

العجيب أن من يرفضون صوت الناصحين خارج ميادين القتال، يستندون لمقولة: “لا يُفتي قاعد لمجاهد”، بينما يُهمّش فقيه غزة المقيم فيها، ويتلقف القوم افتاء من لم يعش يوما في فلسطين!

فهل يضعف الجهاد دور العلماء؟ أم يُنضج الفقه ويزيده بصيرة، ليخضع لأحكامه المجاهدون المنقادون لدين الله؟

إن ما يميز عالم غزة الشيخ سلمان الداية عن غيره من الدعاة هناك، هو تحرره من قيود الأعمال الحزبية وأطرها التنظيمية الآسرة، إضافة لنزاهته وتجرده وخلوه عن العلاقة مع الدول والحكومات وأجهزتها، الأمر الذي يجعل سقف طرحه ومضمونه المعبر عن أحكام الدين ورعاية مصالح العباد سقفا مرتفعا غير مأزوم أو مشبوه أو مضطرب كما هو حال كثير من العلماء من مختلف المرجعيات الدينية والسياسية.

وإذا كان العلماء الأفاضل والربانيون ممن يعيشون خارج فلسطين ينقادون بسلاسة لرؤى واجتهادات الميدانيين والعسكريين في غزة، فوجب عليهم ألا يتجرأوا على العلماء العاملين فيها بالفتيا، لاسيما والقصور باد عند بعضهم في فقه التنزيل، لضعف في فهم النصوص أو مفارقة لواقع الحال المقصود.

إن ما يطرحه شيخ غزة وعالمها الشيخ سلمان الداية من أحكام وفتاوى تتعلق بالنازلة الغزية راجح عن كل من سواه من العلماء المجتهدين الكرام، فهو الذي لم يفارقها ولم يبتعد عن أهلها، بل إن حاله كحال الناس يتلوى بين نير الاحتلال الإسرائيلي وصواريخه التي تحرق الصغار قبل الكبار والنساء قبل الرجال، علاوة عما حباه الله به من فقه واسع مستحضر للأحكام المبثوثة في القرآن والسنة والسيرة، وما وفقه الله إليه من براعة وإصابة في التنزيل، وهو نضج ومسؤولية وتقويم يقلق الأعداء والمحتلين أكثر من زخ الرصاص.

فهل سيجيب بنو قومي عالما من قلب غزة ينادي بأعلى صوته يا ساسة ويا قادة اتبعوا المرسلين؟

اللهم سددنا واخواننا الغيورين لما يرضيك عنا ويحفظ مصالح المسلمين ويحرر أقصى الموحدين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى