بحوث ودراسات

مضر أبو الهيجاء يكتب: معركة طوفان الأقصى المشرفة كيف ننصرها؟

معركة طوفان الأقصى المشرفة كيف ننصرها ونحول دون انحرافها أو تجييرها؟

الحمد لله ثم الحمد لله ثم الحمد لله حتى يرضى سبحانه وتعالى عنا .

انطلقت معركة طوفان الأقصى فجر اليوم 7-10-2023 بسواعد المجاهدين ليدكوا حصون الباطل ويفاجئوا الكيان الإسرائيلي الغاصب فيقطعوا أنفاسه وينالوا منه في لحظة تاريخية لطالما انتظرتها جموع الأمة العربية والإسلامية فالحمد لله ثم الحمد لله ثم الحمد لله.

لاشك بأن روعة التوقيت تأتي بعد أن استعلى أنجاس اليهود وعاثوا فسادا في الأقصى ومسجد خليل الرحمن بشكل لم يشهده القرن، كما تجاوزا كل الحدود في استباحة الدماء في جنين ونابلس والخليل وطولكرم وعموم مدن وبلدات وقرى الضفة التي شرعت بالمقاومة والجهاد والاستشهاد منذ حين .

ومن نافلة القول أن إسرائيل كيان لا يحكم من الداخل بل هو رأس حربة للمشروع الغربي الصهيوصليبي الذي أقامه وثبت أركانه ولا يزال يمده بأسباب الحياة، الأمر الذي يشير إلى معقولية أن المعركة الحالية جولة وصولة محدودة المساحة الجغرافية والزمن .

إن استحضار قيمة الغرب الفاعلة ووعيه المتقدم يوجب التوقف أمام قدراته وخبراته في إدارة المعارك وحرف نتائجها باتجاه ترتيباته وصياغاته الجديدة للمنطقة العربية والإسلامية، والتي لا يتوقف مطلقا عند حدودها الموهومة التي رسمها منذ حين .

إن طوفان الأقصى معركة مشرفة ستقدم دماء زكية في الاتجاه الصحيح ولكنها لن ترقى لوحدها لتحرير فلسطين رغم صوابية بوصلتها وفداء وتضحية رجالها، الأمر الذي يوجب الاستفادة منها في تصحيح أوضاع فلسطين، وتحريك الأوضاع المترهلة في الأمة لنقلها من العجز والإحباط إلى القدرة والأمل، وهو شرط لازم في تحقيق التحرير الموعود ولو بعد حين  تعثرت فلسطين حتى غرقت في العقود الأخيرة في الكبائر السياسية الثلاث وهي :

أولا: اتفاق أوسلو الخياني والبغيض الذي منح اليهود المحتلين 78٪ من أرض فلسطين، كما بنيت عليه سلطة في رام الله وأخرى في غزة بحيث بقيت السلطتين المتحاربتين في حالة ارتهان للغير وعجز حقيقي أمام شعب فلسطين .

ثانيا: حلف حركات المقاومة الفلسطينية مع أشد المشاريع كفرا وعدوانا على الموحدين وهو مشروع ملالي إيران الشيعي الطائفي والذي نتج عنه فجوة حقيقية بين المسألة الفلسطينية وبين الشعوب العربية التي قتلت إيران وميليشياتها منها الملايين وشردت أضعافهم ثم احتلت بلادهم .

إن تواجد إيران وحرسها الثوري وتموضعه في الأطر الفلسطينية السيادية سواء أكانت سياسية أم عسكرية كالغرفة العسكرية المشتركة، هو سبب كاف ووجيه لكي تمكن إيران من حرف أو توجيه معركة طوفان الأقصى لتخدم أجندتها بالتوافق مع الأمريكيين والضغط والتنسيق مع الإسرائيليين فتحول جوهر تضحياتنا ودماء أبطالنا إلى معركة تحريك وليست معركة تحرير كما فعله السادات في حرب أكتوبر، وأثمر إعادة صياغة المنطقة ورسم واقع جديد، حينها لم يكن إلا في صالح المشروع الأمريكي والصهاينة .

ثالثا: حالة الانقسام الفلسطيني الداخلي والخارجي والتي فرضت نفسها في كل المناحي حتى تطورت لحالة احتراب وهدر حقيقي وقسمت الشعب الفلسطيني في كل الميادين وحتى الجامعات ثم رسمت صورة ظالمة قسمت الشعب الواحد إلى ملائكة وشياطين !

إن المعركة المشرفة التي حملت اسما مبشرا هو طوفان الأقصى تشكل خطوة متقدمة في الاتجاه الصحيح على طريق التحرير يجب أن نستفيد منها لتكون خطوة متقدمة على طريق التصحيح .

لاشك بأن تلك المعركة المشرفة ستسهم في تحجيم التغول اليهودي في الأقصى، كما ستحدث ارباكا حقيقيا في خطوات التطبيع العربي الذي تجاوز حقائق الواقع والدين ليتدنى في واد من الانحطاط، كان آخره مسارعة أكبر مملكة عربية للتطبيع مع الصهاينة المحتلين دون اعتبار لواقع الأقصى المرير .

إن المتوقع اليوم أن يقوم الجيش الإسرائيلي بامتصاص هذه الصدمة ليقوم بعدها بعملياته القذرة المتوقعة، وهو ما يستدعي وجوبا هبة شعبية عربية وإسلامية تنصر الأقصى وفلسطين وتقف إلى جانب المجاهدين، لا أن تتركهم وحيدين أو لقمة سائغة للطيران الحربي الإسرائيلي كما حدث سابقا وفي مرات عديدة .

إن واجب كل شيخ وعالم وخطيب وداعية أن يستنفر شعبه ويحشد الجموع والجماعات لتقف خلف الشعب الفلسطيني المجاهد في جهاده بديلا عن محور إيران المدعي والفاجر .

دماؤنا الزكية وانتصاراتنا في الأرض المباركة لا ينبغي أن نسمح لإيران بسرقتها وتجييرها – كما المعتاد – لصالح مشروعها الطائفي المتوحش، ولصالح حساباتها الدولية والإقليمية .

إن إيران وحرسها الثوري وذيلها في دمشق وكلبها الذي يعوي في لبنان مدعية وكاذبة في تبنيها للمقاومة الفلسطينية، ولو كانت جادة لاستفادت من عنصر المباغتة الرهيب الذي تحقق في معركة طوفان الأقصى وشاركت بصواريخها النوعية من الحدود السورية وجنوب لبنان وحتى محيط طهران لتغير المعادلات القائمة .

فإذا لم نستفد اليوم من تلك المعركة في تصحيح الأوضاع الفلسطينية وتعرية المشروع الإيراني إلى جانب ردع الصهاينة، فإن إيران ووكلائها المتموضعين في محيط فلسطين سيستغلونها لتنظيف أوساخهم التي فاقت قذارة اليهود الغاصبين، كما سيستغلونها – في حال الصمت الفلسطيني – للترويج لمشاريعهم المعتدية ويكسبوها شرعية المقاومة لاسيما في العواصم العربية التي يحتلونها كبيروت وصنعاء ودمشق وبغداد .

لا يزال المجاهدون في الميادين يبذلون الأنفس مستهدفين تحرير الأقصى وعز فلسطين ، وهو هدف جليل لن يكتمل دون تفعيل الأمة التي تتحمل المسؤولية الكاملة في تحرير الأقصى السليب .

لم تتحرر ولن تتحرر فلسطين من داخلها، بل دورنا كفلسطينيين هو الصمود في وجه الصهاينة وتحريض المؤمنين .

وكما أن فلسطين يمكن تذهب للهاوية من خلال محور المقاومة الإيراني المتخادم مع المشروع الأمريكي، فإن فلسطين لن تنجو دون حراك فاعل للأمة، كما أن معركة طوفان الأقصى لن تحافظ على نتائجها دون وعي وإيقاع منسجم من قبل شعوب وحركات الأمة السياسية والفاعلة .

إن الدعوة الشجاعة والطيبة التي أطلقها العلامة الشيخ محمد الددو محرضا المسلمين جميعا على بذل كل الممكن نصرة للأقصى سواء نحو الداخل الفلسطيني أو في الخارج هي واجب الوقت الذي يجب أن ينسج على إيقاعه كل الدعاة والقيادات المسلمين .

إن الخطوة الأولى في فلسطين قد بذلت ولا تزال قائمة، فعلى الأمة وشعوبها أن تتحرك بتحريض وتوجيه من علمائها ودعاتها دون انتظار ولاة أمرها المطبعين والذين هم لشعوبهم قاتلين .

لن تتحرر فلسطين من داخلها، بل الأمة هي من سيحررها، أما واجب الداخل الفلسطيني فهو شرط أساسي وعظيم وهو الآن قائم في الميادين .

إن فاعلية الأمة العربية والإسلامية وتضامنها الكامل ومساندتها لفلسطين والمجاهدين هي الخطوة العملية الواجبة لتخليص المقاومة الفلسطينية من لوثة واثم العلاقة مع ملالي إيران واذيالهم القتلة والمجرمين المحتلين .

إن الوحدة الثقافية الكبيرة في المجتمع الفلسطيني كافية اليوم وفي سياق المعركة المشرفة طوفان الأقصى لتشكيل أرضية وأساس لنبذ الفرقة والخلاف وانهاء الانقسام العبثي الذي أهدر دماء وطاقات الفلسطينيين وقسمهم بشكل ظالم لملائكة وشياطين .

لاشك بأن المعركة المشرفة طوفان الأقصى هي نقض لاتفاق أوسلو، وذلك بشرط عدم تراجعها عن أهدافها وعدم قبولها بحلول مهينة أو تفاهمات مشبوهة أو حزبية فصائلية عصبوية وقاصرة يمكن أن تقود فلسطين بعد المعركة لأسوأ من واقعها الحالي ينتهي بمصادرة الأقصى – لاقدر الله- .

إن الفعل الجهادي العظيم لا يكتسب قيمة موضوعية دائمة الا إذا أعاد رسم الواقع بالشكل الصحيح، وذلك من خلال مراجعة الوقائع المخلة وتصحيح الأوضاع الخاطئة، وهو أمر ممكن ولازم في حالة توفر قيمة ودور فاعل للعلماء والدعاة المصلحين .

ومما ينبغي التوقف أمامه هو قوله سبحانه وتعالى في سورة النصر -مبينا واجب المؤمنين الصادقين المخلصين الذين يستحقون نعمة النصر واستكمالها وديمومتها- (فسبح بحمد ربك واستغفره أنه كان توابا ).

اللهم نسألك نصرا عزيزا مؤزرا لا يعقبه خسارة أو تراجع أو تجيير وسقوط، أو عجب وغفلة توجب الهزبمة إنك يارب ولي ذلك والقادر عليه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى