مضر أبو الهيجاء يكتب: معركة طوفان الأقصى.. نعمة أم نقمة؟
عقد الاثنين بتاريخ 4-3-2024 في الضاحية الجنوبية ببيروت مؤتمر الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة، وذلك برعاية إيرانية وحضور محور المقاومة، والذي حضرته حركتي حماس والجهاد بين كم كبير من طحالب المشروع الإيراني وامتداداته السياسية!
وقد استوقفني كثيرا أن حجم البلاء والابتلاء الذي حل علينا بفلسطين لم يكن سببا لمراجعة مسارنا المختل الذي أورثنا الهزيمة في كثير من معاركنا المشروعة!
فإذا كانت توبة المرء تتحقق بالتراجع عن معاصيه والندم عليها والعزيمة على عدم الرجوع إليها، فإن التوبة عن الخطايا في حق الحركات والأحزاب وقياداتها تكون بالإقلاع عن الأفكار الضالة وتصويب المسار السياسي المنحرف، وانهاء أشكال التحالف والتعاون مع الأعداء الذي يشكلون مشروعا سياسيا ثقافيا معاديا للأمة والدين.
من المستقبح أن يكيل المرء التهم لإخوانه المتربعين على عرش المقاومة في غزة وفي هذا الظرف تحديدا، إلا إذا كانوا يقودونه في الاتجاه الخطأ الذي ينقلنا من غضب الرب إلى لعنة تستبدلنا بغيرنا حتى لا يكونوا أمثالنا.
لقد استشهد منا في العراق واليمن والشام أربعة ملايين ونصف من الموحدين بخناجر ملالي إيران، ورغم أن هذه الدماء الزكية خلخلت منظومة الباطل وضربته في الصميم، إلا أنها لم تنجح باستئصاله، وكان من أهم نتائجها أن كشفت وفضحت خطورة المشروع الإيراني في بعده السياسي والعسكري والثقافي، وهو ما كان سببا مباشرا في حفظ الدين وعرقلة التمدد الإيراني الصفوي في المشرق والمغرب والجزائر وأندونيسيا وغيرها.
فكيف يستقيم أن نكون نحن الفلسطينيون سببا في إعادة بلورة صورة حسنة نكسو بها وجوه شياطين ملالي إيران وامتداداتهم ومكوناتهم السياسية الخارجية، والتي باتت تتموضع بشكل جديد أفقيا وعموديا من نافذة غزة والتفاعل المغشوش والاستثمار بدمائنا في معركة طوفان الأقصى؟!
إن تألق المكون الحوثي اليوم، وتطهير إجرام ميليشيات إيران في العراق ولبنان وسوريا، ومسح أوساخ إيران، وتجاوز حجم الدماء التي أهرقت خارج حدود فلسطين -التي رسمها الأخوين سايكس وبيكو- هو الخذلان الحقيقي بمعناه الشرعي والسياسي والأخلاقي، والذي نتحمله نحن الفلسطينيون، وعلى وجه الخصوص قيادات التيار الإسلامي في فلسطين سواء في حركة الجهاد أم في حركة حماس!
لقد جاوزت الحد بعض القيادات الفلسطينية في اتهامها الظالم لشعوب الأمة بالخذلان، رغم ما تراه من حرقة الشعوب وأسرها الظالم فوق الأرض وتحتها في السجون، وتعامت بشكل غبي عن الفرق بين النظم العربية الرسمية وحكوماتها الوظيفية وبين الشعوب التي قدمت قبل طوفان الأقصى دماء وعذابات وحصار وتشريد لا يقل عما يحدث في فلسطين اليوم!
وفيما توجه بعض القيادات الفلسطينية أصابع الاتهام إلى الشعوب والحركات والعلماء بالخذلان، تصر بشكل قميء على تمجيد الحوثي وحزب الله وميليشيات العراق وإيران، رغم غدرها الكبير الذي ندفع ثمنه دماءنا المتعاظمة في غزة والقدس والضفة!
لم يتبق إلا خطوتين حتى تصبح إيران الممثل الشرعي والوحيد والناطق باسم الأقصى وغزة وفلسطين!
لو كان عندنا شخصيات ذات قامة ومحترمين لقال بعضهم لبعض: دعونا لا نجتمع في حضن إيران وحزبها الذي رتب الفخ وسهل قتل الشيخ صالح العاروري في أوكار الضاحية، والذي استشهد وقتلوه ودفنوه ودفنوا سره -الذي يفضحهم- معه!
يروي لي ابن عمي أنه التقى ياسر عرفات وهو عائد من كامب ديفيد في لقائه الشهير مع بيل كلينتون وايهود باراك، حيث قال له حرفا ونصا: (لقد خدعني الأمريكان وضربوني على قفاي)، وما لبث أن حرك الشوبكي لجلب الصواريخ، ومروان البرغوثي لإشعال الانتفاضة.
فإذا كان هذا التراجع والمراجعة، هو موقف من يتهم بالعلمانية ورفض المرجعية الإسلامية وهو من أسس لاتفاق أوسلو اللعين، فما بال قامات الإسلاميين ومن لديهم شهداء ومساجين لا يقوون على التراجع عن الخطأ والمراجعة؟! أوليس النصر من عند الله؟
يقول بعضهم: لقد خذل أردوغان فلسطين معتبرا أن انتفاء إمكانية النصر والنصرة من أردوغان وتركيا بسبب خلل واضح في الدين مشيرا لوجود الربا في البنوك التركية، وذلك دون أن يتوقف عند خصوصية الحالة التركية المتناقضة بمكوناتها والمرة بتجربتها!
أقول: إذا كان الربا معصية وهي سبب في الخذلان وانتفاء الأمل بالانتصار من خلال العلاقة بتركيا، فمن باب أولى أن العلاقة بإيران -المنسجمة والصلبة- وملاليها وميليشياتها المقاومة والتي قتلت ملايين الموحدين واستباحت دماءهم وأموالهم وديارهم وهتكت أعراضهم في العراق واليمن والشام ولبنان، سبب في انتفاء النصر وحلول اللعنة!!! أوليس هذا أيضا مخالفة للدين توجب اللعنة؟ ومن هو المسؤول عنه؟
إننا في فلسطين بحاجة إلى نبي مرسل ليصوب لنا الطريق ولكن النبوة ختمت، الأمر الذي يوجب على العلماء الصادقين الشجعان ورثة النبيين النصح الواجب في وقته وشكله وحجمه قبل أن تتعاظم وتكبر كرة الأخطاء، كما يوجب عليهم تصويب مسارنا المختل في فلسطين المباركة غيرة على الدين وغيرة على دماء الشهداء والأبطال المضحين، وقبل أن يستبدلنا الله نحن وثلة العلماء الساكتين والمجاملين والخائفين، أو المضطربين بين العلاقة بالأنظمة والانحياز لحركاتهم وتنظيماتهم، أو ربما حرصا على استقرار بيوتهم وهم أمام قناة الجزيرة مشاهدين مستمتعين بصورة تديرها الخارجية الأمريكية بوعي أمام قطعان الساذجين!
وما النصر الا من عند الله، ولينصرن الله من ينصره.
مضر أبو الهيجاء فلسطين-جنين 5/3/2024