قبل الذهاب للقاء الأخير الذي جمع الشهيدين إسماعيل هنية وصالح العاروري -نحسبهما كذلك ولا نزكي على الله أحدا- مع كاهن إيران الخامنئي لابد من بسط خلفية أسست لسلوك المقاومة الفلسطينية وحرفت مسارها وضبطت ايقاعها بحسب عقارب الساعة الإيرانية، الأمر الذي قاد لمحارق الطوفان التي زجت نحوها طهران، وأدارتها أمريكا، وتلقفتها إسرائيل، وهذا ما كان!
أرضية الخلل التي شكلت عقول المجاهدين!
كان الشيخ صالح العاروري مؤمنا بصدق إيران في مقصدها المعلن وعملها الجاد لتحرير فلسطين، وهو ما جعله جزءا من هندسة فكرة وحدة الساحات المرتبطة سياسيا وعسكريا بإيران، فيما كان الشيخ إسماعيل هنية يراهن ويعول عليها في الدعم القائم والقادم.
أما نقطة التباين بين الشيخين الشهيدين، فهي في الموقف العقدي تجاه دين الشيعة، حيث كان إسماعيل هنية صاحب موقف أنقى وأوعى يعلم أشكال الكفر وعقائده في دين الشيعة ويصرح بذلك في الإطار غير المعلن بكل وضوح، خلافا للشيخ صالح العاروري الذي كان فقير الفقه والتصور نحو عقائد ومذاهب الشيعة، ولعل هذا يرجع الى أن الشيخ صالح كان قابعا في السجون الإسرائيلية لفترة طويلة -علما بأنه كان من رجال القرآن طوال الأسر-، فيما رافق إسماعيل هنية الشيخ أحمد ياسين فترة طويلة وممتدة من شبابه الى استشهاده رحمهم الله جميعا.
ورغم وضوح الموقف العقدي تجاه الشيعة والتشيع عند الشيخ أحمد ياسين بشكل مبكر -وهذا يقين-، إلا أن انفصالا عجيبا وانفصاما مريعا جسدته حركة حماس في الفصل ما بين الموقف الواجب تجاه دين الشيعة ومشروعهم العدواني الاحتلالي لبلاد العرب والمسلمين، وما بين الحلف السياسي والعسكري بين حركة حماس والمشروع الإيراني، وذلك للدرجة التي أصبحت فيها إيران جزءا حقيقيا وفاعلا في صياغة التصور الفلسفي الفلسطيني الإسلامي للجهاد والمقاومة، علاوة على دورها الأصيل والعميق في تشكيل وإدارة المقاومة، والتي احتل فيها ذراعها اللبناني -حزب الله- دورا طليعيا كاملا!
إن الانفصام النكد الذي تجسد في مقاربة حركة حماس تجاه المشروع الإيراني الطائفي -وذلك في منهجها الشرعي العقدي والفقهي، ومنهجها وعملها السياسي- هو ما دعاني للإشارة المبكرة إلى أن أصل الخلل عند حركة حماس وقياداتها ورموزها الدعوية تجاه المسألة الإيرانية، هو في منهج حركة الإخوان المسلمين، والتي تشكل وتجمد موقفها منذ لحظة إنشاء دار التقريب بين المذاهب في القاهرة برعاية الامام حسن البنا رحمه الله!
ومما يؤخذ على عموم حركة الاخوان المسلمين -سوى المدرسة السورية- أنهم لم يبحثوا في عقائد الشيعة، ولم يرصدوا أشكال التطور الكفري في معتقداتهم، خلافا لعموم الحالة السلفية.
الخلاف ثم الاقتتال بين العاروري وحسن نصر الله!
لم يمر الشهر الأول على عملية 7 أكتوبر حتى وقع خلاف بين الشيخ صالح العاروري وحسن نصر الله بسبب النكوص عن الدخول في المعركة المتفق عليها بينهما، وما أن وقعت المعركة البرية حتى حصل صدام ثان أكبر بينهما، وذلك بعد أن نكث حسن نصر اللات بعهده، مما اضطر الشيخ العاروري للخروج نهائيا من لبنان دون نية للعودة.
لقاء الحزن بين الشيخين وذهابهما الى الخامنئي!
التقى الشيخين العاروي وهنية في قطر بعد خروجه من لبنان وقررا الذهاب سوية لخامنئي، وذلك بهدف طلب التدخل والدخول في المعركة، لاسيما وأن وزير خارجية إيران عبداللهيان كان قد وعد قيادة الحركة -في الأسبوع الأول- بالدخول في المعركة إذا اندلعت حرب برية إسرائيلية في غزة.
المفاجأة الصاعقة!
جلس الشهيدان مع الخامنئي الثعبان، وبعد شرح مفصل لما حصل وكان، أشارا لموضوع ضرورة التدخل الإيراني المقاوم الآن، فما الذي حصل وكان؟
أطرق الخامنئي رأسه في الأرض، ثم رفعه وأشار بيده بطريقة تمجيد وافتخار قائلا لهما بابتسامة صفراء:
إننا نريد لكم ولفلسطين أن تحوزوا شرف النصر منفردين!
عرف الرجلان أنهم قد وقعوا في الفخ ووقعت معهم فلسطين، ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم، تستجدي قيادة الحركة البشر والشجر والحجر لإقناع الأمريكان -الذين يديرون المسألة- لإيقاف المعركة، والتي تلقفتها إسرائيل لتعيد رسم دورها ونفوذها على الخارطة، ووجدت فيها أمريكا النافذة لترتيب أوضاع المنطقة وإخضاع جميع الأنظمة، فيما تألقت زورا طهران.
العودة الى الموت المحقق!
عاد الشيخ صالح العاروري الى إسطنبول وقال لإخوانه في جلسة خاصة اغسلوا أيديكم من إيران والحزب، فأنا قد فقدت منهم الرجاء، وقرر العودة إلى لبنان بعدما رفض الأمريكان طلب قطر مرتين بالسماح لها باستضافة الشيخ العاروري تأسيا بإخوانه، فعلم الشيخ صالح أنه عائد لموت راجح في لبنان، فسلم الأمانات التي لديه، وقال للمقربين لعلها تكون شهادة وهو نتمناه، ثم عاد لبيروت حيث لم يلق نفس الترتيبات والتعامل المعهود، ثم قتل ولحقه في طهران أخوه رحمهما الله.
اللهم فانتقم من جميع الأعداء.
مضر أبو الهيجاء جنين-فلسطين 19/6/2025