معارك التحرير: من فلسطين إلى العلوم الاجتماعية والإنسانية المتوحشة

د. إبراهيم البيومي غانم
هذه أيام مباركة، تسري فيها روح المقاومة وتتمدد من فلسطين إلى الأمة بكاملها فتحييها بالقرآن. وستبلغ غايتها وتحقق هدفها ـ بإذن الله ـ في إزاحة هذا الكابوس المتمثل في الكيان السرطاني الاستيطاني في أرض فلسطين المقدسة، وفي أرجاء مختلفة من أمتنا.
معركة التحرر والتخلص من الاحتلال الصهيوني البغيض لها رجالها الذين يخوضونها في سوح الوغى بقوة العقيدة، وقوة الوحدة، وقوة الساعد والسلاح. وثمة معركة ـ بل معارك ـ أخرى مفتوحة في عديد من الجبهات، ويتعين أن يتصدى لها رجالها في سوحها أيضاً، وبأقوى ما يملكون.
وأقصد هنا معركة واحدة منها: معركة التحرر والاستقلال عن العلوم الاجتماعية والإنسانية الوافدة من الغرب، وهي التي تحتل عقول طلاب العلم وأغلبية أساتذتهم في بلادنا منذ أكثر من مائة سنة.
أقصد بها: معركة النضال لكنس كل العلوم الاجتماعية والإنسانية والأدبية والفنية الوافدة من حضارة الغرب معدوم الضمير والأخلاق والإنسانية؛ وتطهير جامعاتنا منها؛ لأنها علوم تفصلنا عن انتمائنا، وتخيفنا من أنفسنا، نعم تخيفنا من أنفسنا وليجرب كل من يقرأ هذا المقال ولديه صلة بتلك العلوم؛ بل أقول إنها تزرع الشك في ذاتنا الحضارية أيضاً، وتربي روح الانسحاق للآخر الغربي ولقوته المتوحشة معدومة الإنسانية ؛ لدرجة وصلت بنا إلى وقوف 56 دولة (عربية وإسلامية) موقف المتفرجين على ما ترتكبه قوى التحضر والمدنية “والعالم الحر” من مذابح يندى لها الجبين بحق الأطفال والنساء والشيوخ. يقول أمثلنا طريقة إن دولنا هه خائفة من أمريكا ومن بطش الغرب والصهيونية؛ لا والله، هي ونحن خائفون من أنفسنا قبل خوفنا من أولئك الأعداء، وبصراحة نحن غير خائفين من الله، وأغلب مظاهر التدين السائد زيف في زيف، وتمثيل في تمثيل، والله أعلم بالسرائر.
هي علوم ثبت أنها تحرس تخلُّفَنا ولا تعالجه، وترسِّخُ ضعفنا ولا تقوينا، وتقضي على كل عناصر القوة لدينا؛ عنصراً عنصراً ولا ــ ولم تغرس عنصراً واحدا منها منذ أكثر من مائة سنة ــ وتقنعنا بأننا كمٌ مهمل، ما بيدنا حيلة، لا أننا أبناء أمة عريقة، وبأننا لا نملك ولن نملك من أمرنا شيئاً. هي ضد هويتنا، وضد نهضتنا، وضد مصالح أمتنا على مختلف الصعد، كانت كذلك، ولا زالت، وستظل.
هذه العلوم فاشلة، يحملها فاشلون، خائفون طول الوقت.
خائفون طول الوقت من أن يفقدوا الحظوة عند أساتذتهم الأجانب الذين علموهم، ويدينون لهم بالولاء، ولا يتركون فرصة إلا ويتمالحون بذكر أسمائهم الأجنبية، ويرددون عناوين كتبهم ومؤلفاتهم.
أو هم خائفون طول الوقت -أيضاً- من أن يفتحوا فمهم بكلمة (قد) تغضب أولياء نعمتهم في الداخل، ولا صلة لهم في الحالين بأبناء أمتنا ولا بسوادها الأعظم، ولا بمشكلاتهم ولا بآمالهم أو طموحاتهم في مستقبل أفضل لهم ولأبنائهم. ما يعلمه كل منهم لا تتجاوز فائدته فائدة المشروع العائلي أو الأسري، يشبهه صاحب دكان البقالة، أو كشك الخردوات في انكفائه على تدبير لقمة العيش لأسرته وكان الله يحب المحسنين، ثم يتبخترون بأنهم “نخبة” و”مثقفون” و”علماء” يا للهول!
ما قصة وفود هذه العلوم وما الطريق إلى التحرر منها؟ . هذا في لقاء آخر.