معجم “لسان العرب”.. درّة المعاجم الذي أغنى عنها جميعا
قال الزركلي في وصف معجم لسان العرب: إن مؤلفه «جَمَعَ فِيهِ أمهات كتب اللغة، فكاد يغني عنها جميعا».
قال البعلبكي: يُعتبر أشهر المعاجم العربية غيرَ مُنازَع، لضخامة مادته، ولاشتماله على مجموعة كبيرة من الشواهد الصحيحة التي استقاها من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ومن أمثال العرب وأشعارها
مؤلف اللسان هو محمد بن مُكَرَّم بن علي ابن منظور الأنصاري الخَزْرَجي[4] (1232 م – 1311م) مؤرخ، وعالم باللغة، وقاضي طرابلس الغرب. قال عنه ابن حجر: «كان مُغرًى باختصار كتب الأدب المطوَّلة».
صرّح ابن منظور في مُقدّمة كتابه أنّه مُرتّبٌ ترتيبَ الصحاح للجوهري، فهو مرتّب على نظام : أواخر الأُصول، فيبدأ أوّلًا بالكلمات التي آخرها: (ألف) وأوّلُها (ألف) مثل: (أبأ) وهكذا إلى أن ينتهي، وأمّا حُروف العلة فقد أفردها في فصل مستقل.
وقد بدأ المؤلف أوّلًا بتفسير الحروف المقطّعة ، ثم : (باب: ألقاب الحروف وطبائعها وخواصها) ، ثم شرَع في استقصاء الكلمات.
«لسان العرب»، من أوسع معاجم العربية للألفاظ، رمى مؤلفه من خلاله إلى أمرين: الاستقصاء والترتيب، وقد صرّح في مقدمة المعجم بمصادره، وهي خمسة:
«تهذيب اللغة» لأبي منصور الأزهري
«الصحاح» للجوهري
«المحكم» لابن سِيْدَه
«حواشي ابن برّي»
«النهاية في غريب الحديث والأثر» لابن الجَزَري
وقد رتّبه على أساس الحرف الأخير من الجذر الثلاثي، واضعًا ذلك بُغْيةَ تمكين الشعراء من العثور على القوافي التي يطلبونها لقصائدهم المطوَّلة.
ذكر ابن منظور في المقدّمة: الدافع في تأليف الكتاب، فقال: «وَإِنِّي لم أزل مشغوفا بمطالعات كتب اللُّغَات والاطلاع على تصانيفها، وَعلل تصاريفها؛ وَرَأَيْت علماءها بَين رجلَيْنِ:
أما من أحسن جمعه فَإِنَّهُ لم يحسن وَضعه،
وَأما من أَجَاد وَضعه فَإِنَّهُ لم يُجد جمعه،
فَلم يُفد حسنُ الْجمع مَعَ إساءة الْوَضع، وَلَا نَفَعت إجادةُ الْوَضع مَعَ رداءة الْجمع.
وَلم أجد فِي كتب اللُّغَة أجمل من تَهْذِيب اللُّغَة لأبي مَنْصُور مُحَمَّد بن أَحْمد الْأَزْهَرِي، وَلَا أكمل من الْمُحكم لأبي الْحسن عَليّ بن إِسْمَاعِيل ابن سِيْدَهْ الأندلسي، رحمهمَا الله، وهما من أمّهات كتب اللُّغَة على التَّحْقِيق، وَمَا عداهما بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمَا ثنيَّات للطريق.
غير أَن كُلًّا مِنْهُمَا مطلب عسر المهلك، ومنهل وعر المسلك، وكأنَّ وَاضعه شرع للنَّاس موردا عذبا وجلاهم عَنهُ، وارتاد لَهُم مرعًى مربعًا ومنعهم مِنْهُ؛ قد أخّر وقدّم، وَقصد أَن يُعرب فأعجم.
فرّق الذِّهْن بَين الثنائي والمضاعف والمقلوب وبدّد الْفِكر باللفيف والمعتل والرباعي والخماسي ، فَضَاعَ الْمَطْلُوب، فأهمل النَّاس أَمرهمَا، وَانْصَرفُوا عَنْهُمَا، وكادت الْبِلَاد لعدم الإقبال عَلَيْهِمَا أَن تَخْلُو مِنْهُمَا.
وَلَيْسَ لذَلِك سَبَب إِلَّا سوء التَّرْتِيب، وتخليط التَّفْصِيل والتبويب. وَرَأَيْت أَبَا نصر إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد الْجَوْهَرِي قد أحسن تَرْتِيب مُخْتَصره، وشهره، بسهولة وَضعه، شهرة أبي دُلف بَين باديه ومحتضره، فخف على النَّاس أمره فتناولوه، وَقرُب عَلَيْهِم مأخذه فتداولوه وتناقلوه، غير أَنه فِي جو اللُّغَة كالذرّة، وَفِي بحرها كالقطرة، وَإِن كَانَ فِي نحرها كالدرّة؛ وَهُوَ مَعَ ذَلِك قد صحّف وحرّف، وجزف فِيمَا صرّف، فأُتيح لَهُ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد ابن بري فتتبع مَا فِيهِ، وأملى عَلَيْهِ أَمَالِيهِ، مخرِّجًا لسقطاته، مؤرِّخًا لغلطاته؛
فاستخرت الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي جمع هَذَا الْكتاب الْمُبَارك، الَّذِي لَا يُساهَم فِي سَعَة فَضله وَلَا يُشارَك، وَلم أخرج فِيهِ عَمَّا فِي هَذِه الْأُصُول.
ورتبته تَرْتِيب الصِّحَاح فِي الْأَبْوَاب والفصول؛ وقصدت توشيحه بجليل الْأَخْبَار، وَجَمِيل الْآثَار، مُضَافا إِلَى مَا فِيهِ من آيَات الْقُرْآن الْكَرِيم، وَالْكَلَام على معجزات الذّكر الْحَكِيم، ليتحلى بترصيع دررها عِقْدُه، وَيكون على مدَار الْآيَات وَالْأَخْبَار والْآثَار والأمثال والأشعار حلّه وعَقْدُه.