معهد أبحاث بريطاني: الانتخابات الأردنية اختبار لسياسات الإصلاح
يقول معهد الأبحاث البريطاني تشام هاوس إن الانتخابات في الأردن تجري على خلفية الحرب في غزة، وضم الاحتلال التدريجي للضفة الغربية، والاقتصاد الراكد. ورغم أن الملك هو صانع القرار النهائي ويملك سلطة شبه مطلقة، فإن البرلمان يؤدي وظيفة مهمة ليس فقط في تقديم وإقرار القوانين، بل وأيضاً في إضفاء الشرعية على النظام السياسي في الأردن، وخاصة خلال أوقات التوترات المحلية والإقليمية المتصاعدة.
في الظاهر، يبدو الأمر وكأن الملك يتخذ خطوة جريئة للغاية ويعتزم إظهار التزام بلاده بالديمقراطية. ولكن إذا نظرنا عن كثب، فسوف نجد أن الرهانات محفوفة بالمخاطر إلى حد ما، وأن الانتخابات سوف تعود ببرلمان صديق لسياسات الحكومة.
ومن المدهش أن تدعو اللجنة المستقلة للانتخابات في الأردن إلى إجراء انتخابات في هذا الوقت بالذات ـ بمباركة الملك بطبيعة الحال، وإن كانت هذه ليست سابقة. فقد تأجلت انتخابات عام 2001، التي تزامنت مع الانتفاضة الثانية، في البداية وأُجريت بدلاً من ذلك في عام 2003، وهو نفس العام الذي بدأت فيه الحرب التي قادتها الولايات المتحدة على العراق.
الأحزاب الإسلامية سوف تستفيد من الانتخابات
ومع ذلك، فإن التوقيت يشير إلى أن الأحزاب الإسلامية سوف تستفيد أكثر من غيرها من الانتخابات، لأنها في وضع جيد يسمح لها بالاستفادة من الغضب الشعبي الواسع النطاق تجاه الاحتلال. فقد نظمت احتجاجات منتظمة ضد حرب الاحتلال على غزة، واستخدمت خلال التجمعات الانتخابية شعار “كلنا حماس”.
وأفاد استطلاع للرأي أجراه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في نوفمبر وديسمبر 2023 أن 85% من الأردنيين أعربوا عن وجهة نظر إيجابية تجاه حماس، وهي قفزة كبيرة مقارنة بنسبة 44% التي قالت الشيء نفسه في عام 2020. وهذا يبشر بالخير لجبهة العمل الإسلامي ــ حركة الإخوان المسلمين في الأردن ــ التي لا تدعم حماس فحسب، بل تدعو أيضا إلى إنهاء معاهدة السلام الأردنية مع إسرائيل. وعلاوة على ذلك، أفاد الباروميتر العربي في عام 2023 أن 49% من الأردنيين يفضلون زيادة دور الدين في السياسة، وهو ما يُظهِر ارتفاعا ملحوظا عن السنوات السابقة.
إن جبهة العمل الإسلامي تحمل معها أجندة سياسية واجتماعية تتعارض مع موقف الملك الأكثر اعتدالا وبراغماتية، وخاصة فيما يتصل بالعلاقات مع الغرب والاحتلال. وبالتالي، فإن الحضور الأقوى في البرلمان من شأنه أن يشجع الأصوات الإسلامية. وقد يؤدي هذا إلى سياسات أكثر تحفظا تنفر حلفاء الأردن الغربيين، الذين تعتمد عليهم المملكة في الدعم المالي.
قوانين انتخابية جديدة تحكم حزب العمل
في ظاهر الأمر، يبدو الأمر كما لو أن الحكومة تخوض مخاطرة كبيرة نظراً لأن حزب العمل من المفترض أن يفوز بعدد أكبر من المقاعد في مجلس النواب ــ وهو الاحتمال الذي عملت الحكومة ضده لعقود من الزمن.
ولكن عند الفحص الدقيق، فمن السهل أن نرى أن العادات القديمة تموت بسهولة. وسوف يعمل قانون الانتخابات الجديد والتعديل الذي تم إدخاله عليه في أوائل فبراير/شباط من هذا العام على الحد من نجاح جبهة العمل الإسلامي في الانتخابات، بغض النظر عن مدى شعبية الحزب. وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها تمرير قانون انتخابي لإعادة تصميم المشهد الانتخابي.
منذ عام 1989، قدمت الحكومة سلسلة من قوانين الانتخابات وقوانين الأحزاب السياسية بهدف الحد من نفوذ جماعة الإخوان المسلمين. كما سعت هذه القوانين إلى تقليص نفوذ النواب القبليين في المجلس. وكثيراً ما كان الأداء القوي للقبائل الأردنية في البرلمان يعني أنها تهيمن على مناقشات السياسة، وفي كثير من الحالات، تحبط أجندة الإصلاح التي يتبناها الملك.
بعد فترة وجيزة من توليه العرش في عام 1999، أوضح الملك عبد الله أنه يريد إعادة تشكيل البيئة السياسية في الأردن من خلال إبعادها عن السياسة القائمة على القبيلة والعرق والإسلام، والابتعاد عن السياسة القائمة على أسلوب ويستمنستر في الحكم، والتي تتألف من أحزاب سياسية تقدم برامج يسارية ويمينية ووسطية.
تمثيل المرأة والشباب
هذه المرة، تحمل قوانين الانتخابات والأحزاب السياسية الجديدة بعض الأمل بالنسبة للنساء والشباب، ولكنها أقل أملاً بالنسبة للأحزاب الإسلامية. فأكثر من 54% من السكان هم دون سن الخامسة والعشرين، وبالتالي فإن الإصلاحات من شأنها أن تجعل البرلمان أكثر تمثيلاً، رغم أن افتراض الحكومة بأن الشباب سوف يصوتون للأحزاب الليبرالية والعلمانية قد يكون معيباً.
وقد صُممت القوانين لزيادة مشاركة النساء والشباب في العملية السياسية وتحويل الأحزاب السياسية من كونها أدوات تركز على الشخصية إلى منظمات تركز على السياسات.
ويشترط القانون أن تتضمن قوائم الأحزاب السياسية امرأة واحدة على الأقل بين المرشحين الثلاثة الأوائل وأخرى بين الثلاثة التاليين. وعلى نحو مماثل، ينص القانون على أن تتضمن قوائم الأحزاب السياسية مرشحًا واحدًا على الأقل يبلغ من العمر 35 عامًا أو أقل بين المرشحين الخمسة الأوائل. وعلاوة على ذلك، أصبحت التدابير الرامية إلى إنشاء الأحزاب السياسية أكثر صرامة وتتطلب ما لا يقل عن 1000 عضو مؤسس، بما في ذلك 20 في المائة من النساء و20 في المائة أخرى تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عامًا. وينص القانون أيضًا على أن الأحزاب يجب أن تمثل ست محافظات على الأقل في الأردن.
إن القانون الجديد، من خلال فتح المجال السياسي أمام الأحزاب الصغيرة والائتلافات الاجتماعية، يقلل من الميزة التي تمتعت بها جبهة العمل الإسلامي تاريخياً باعتبارها واحدة من أكثر القوى السياسية تنظيماً في الأردن. وسوف يقطع القانون الجديد شوطاً طويلاً في إعادة رسم المشهد الانتخابي وتغيير تكوين البرلمان القادم، ولكن إلى أي مدى يظل الأمر غير واضح. ومن هنا، أقر البرلمان في فبراير تعديلاً على القانون، يبدو وكأنه مصمم لسد أي ثغرات ربما تركت مفتوحة لجبهة العمل الإسلامي لاستغلالها.
إن تعديل المادة 49 من القانون يقلل من العتبة الانتخابية للقوائم الانتخابية المحلية، ويخفض النسبة المئوية للأصوات المطلوبة لقائمة ما لتأمين مقعد في الدوائر الانتخابية المحلية إلى حوالي 1%. وهذه الخطوة تجعل من الأسهل على الأحزاب السياسية والائتلافات الأصغر حجماً والأقل رسوخاً التنافس مع الأحزاب القوية المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، وخاصة في المناطق ذات الحضور السياسي الإسلامي القوي، مثل عمان والزرقاء وإربد.
لا شك أن قانون الانتخابات يمكن أن يكون بمثابة خطوة صغيرة على الطريق إلى تحقيق رؤية الملك للديمقراطية على غرار ويستمنستر في الأردن. إن هذا القانون يشجع بشكل فعال المزيد من النساء على المشاركة في العملية الديمقراطية؛ ويزيد من حجم الناخبين من خلال خفض سن الترشح؛ ويمنح حق التصويت للشباب المنخرط في العمل السياسي؛ ويسمح بتشكيل أحزاب وائتلافات سياسية جديدة، وهو ما قد يكسر قبضة الأحزاب المحافظة التقليدية التي يهيمن عليها الذكور. وهذه هي النقطة الأساسية ــ إن القانون يهدف مرة أخرى إلى إحباط حزب العمل في الانتخابات.