تولى الرئيس السيراليوني جوليوس مادا بيو رئاسة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) في قمة أبوجا الأخيرة، وذلك في ظل تحديات أمنية وسياسية غير مسبوقة تواجه المنطقة، وخصوصاً بعد انسحاب مالي وبوركينا فاسو والنيجر رسمياً من المنظمة في يناير 2025.
هذا الاختيار وفقا للباحث الموريتاني الخبير في الشئون الافريقية سلطان البان يُعدُّ مفاجئاً جزئياً، إذ جرت العادة على تناوب الرئاسة بين الدول الأنغلوفونية (ناطقة بالإنجليزية) والفرانكفونية (ناطقة بالفرنسية) والبرتغالية، وكان متوقعاً أن يتولى رئيس فرانكفوني المنصب، إلا أن اختيار مادا بيو يُبرز رغبة القادة في تجاوز الانقسامات اللغوية في ظل الأزمات الإقليمية.
وقد حدد البان في تغريدة له علي منصة ” إكس أبرز التحديات التي أشار إليها مادا بيو وتينوبو خلال حفل تبادل المهام
أول هذه التخديات تتمثل في انعدام الأمن في منطقة الساحل إذ تعاني المنطقة من تصاعد العنف الإرهابي، حيث سجلت الساحل أكثر من نصف الوفيات الناجمة عن الهجمات الإرهابية عالمياً في 2024.

وكذلك يعد عدم الاستقرار السياسي أبرز هذه التحديات خصوصا بعد موجة الانقلابات العسكرية الأخيرة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر وغينيا، والتي أدت إلى انسحاب ثلاث دول مؤسسة من إيكواس، مما أضعف التكتل الإقليمي.
ولا يغيب عن هذه التحديات تدفقات الأسلحة غير المشروعة والجريمة المنظمة العابرة للحدود إذ تمثل تحدياً كبيراً لاستقرار المنطقة وتطورها الاقتصادي، ويساهم في تعقيد جهود مكافحة الإرهاب.
ومن الطبيعي أن تلعب التحديات الاقتصادية والفقر دورا في تعظيم هذه التحديات إذ تعاني دول غرب أفريقيا من تداعيات اقتصادية خطيرة بعد انسحاب الدول الثلاث، بما في ذلك تعطيل حركة التجارة والاستثمار، وزيادة الفقر والبطالة.
ومن الثابت الإشارة إلي أن انسحاب مالي وبروكينافاسو والنيجر من أهم التحديات التي تولجه الايكواس حيت أسهم هذا الانسحاب في إضعاف إيكواس سياسياً وعسكرياً، وفتح الباب أمام تحالف دول الساحل (AES) الذي أصبح منافساً إقليمياً، ويسعى لتعزيز تعاونه مع روسيا وقطع العلاقات مع القوى الغربية.
-و تتعرض المنطقة ومعها دول المنظمة لخطر التفتت التجاري والمالي، وتراجع فرص التنمية، وزيادة الانقسامات السياسية.
-كما أن استمرار التنسيق مع الدول المنسحبة ، يعد من التحديات حيث عمدت إيكواس لتعيين مفاوض للإشراف على عملية الانسحاب، وتبقى أبواب الحوار مفتوحة، لكن الدول الثلاث أكدت أن قرار الانسحاب “لا رجعة فيه”.

ومن المهم الإشارة إلي أن الرئيس السيراليوني يتمتع مادا بيو بخبرة عسكرية وسياسية، وهو معروف بمواقفه الحازمة تجاه الفساد وبتوجهه نحو إصلاحات اقتصادية واجتماعية في سيراليون. توليه رئاسة إيكواس يُعطي إشارة إلى رغبة المنظمة في تبني سياسات أكثر حزماً في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية.
ومن أهم الملفات التي يواجهها الرئيس الجديد للايكواس تعزيز التعاون الأمني خلال اجتماعات قادة الجيوش في مارس 2025،حيث تم وضع استراتيجية مشتركة لمواجهة الإرهاب والنزاعات الداخلية والجريمة العابرة للحدود، مع التركيز على التنسيق العسكري والأمني بين الدول الأعضاء.
ويمثل تولي جوليوس مادا بيو رئاسة إيكواس يمثل فرصة تاريخية لإعادة رسم خارطة التعاون الإقليمي، في وقت تشهد فيه غرب أفريقيا تحولات جذرية على المستويات الأمنية، والاقتصادية، والسياسية.
ووفقا للبان فلا يكفي اليوم مجرد إعلان النوايا أو توقيع الاتفاقيات، بل يتعين على المنظمة أن تعزز من قدرتها على تحقيق الإصلاحات الجوهرية، وتتبنى سياسات أكثر مرونة واستيعاباً لتطلعات الشعوب وتحديات الدول.
ومن المهم التأكيد أن إيكواس قد وضعت أمام امتحان وجودي: إما أن تنجح في إعادة بناء الثقة وتعزيز التكامل الإقليمي عبر حوار شامل وعادل، أو تظل عاجزة أمام تنامي الانقسامات وبروز تحالفات بديلة. نجاحها في هذه المرحلة سيعتمد على مدى قدرتها على تقديم حلول عملية لمشكلات الأمن والتنمية، واستعادة دورها كفاعل أساسي في مستقبل المنطقة، بدلاً من أن تتحول إلى منظمة هامشية في ظل صراع النفوذ الإقليمي والدولي