دخلت مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والتي تُعقد في العاصمة القطرية الدوحة منذ سبعة أيام، مرحلة معقدة وحرجة بعد تعثّر شديد بسبب إصرار إسرائيل على إعادة انتشار جزئي لقواتها بدلاً من الانسحاب الكامل من المناطق التي احتلتها خلال الشهرين الماضيين، الأمر الذي رفضته حركة “حماس” بشدة، معتبرةً أن هذا الطرح يُشكّل انقلاباً على جوهر الاتفاق المرتقب ويُمهّد لمخطط تهجير واسع النطاق.
“حماس” ترفض خرائط الانسحاب الإسرائيلي
بحسب مصدرين فلسطينيين مطلعين، فإن الوفد الإسرائيلي قدم خريطة جديدة يوم الجمعة تتضمن إعادة انتشار وليس انسحابًا كاملاً، وتحتفظ إسرائيل بموجبها بسيطرتها العسكرية على نحو 40% من مساحة قطاع غزة، بما في ذلك كامل منطقة رفح الجنوبية ومناطق من شمال وشرق القطاع.
وتعتبر “حماس” هذه الخرائط “غير مقبولة”، إذ تعني، وفق ما قاله أحد المصادر، “منح الشرعية لإعادة احتلال نصف القطاع وتحويله إلى مناطق معزولة أشبه بمعسكرات نازية”، في إشارة إلى المناطق التي تتحدث إسرائيل عن تحويلها إلى “مناطق آمنة” جنوب القطاع لاستيعاب قرابة 600 ألف نازح فلسطيني.
وساطة قطرية ومصرية لإنقاذ المفاوضات
سارعت الوساطتان القطرية والمصرية، بالتعاون مع الولايات المتحدة، إلى محاولة ترحيل بند الانسحاب إلى مرحلة لاحقة من المفاوضات، وهو ما فُسّر على أنه “محاولة أخيرة” لإنقاذ العملية من الانهيار، خصوصاً في ظل رغبة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتحقيق اختراق سياسي يمنحه دفعة انتخابية على الساحة الدولية.
وتقول مصادر مطلعة إن الوسطاء طلبوا من الجانبين التركيز مؤقتاً على القضايا التي شهدت تقدماً، مثل تبادل الرهائن والمساعدات الإنسانية، وتأجيل النقاش حول الانسحاب لحين وصول المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف إلى الدوحة.
مواقف الأطراف… إسرائيل تماطل و”حماس” تصعّد
يؤكد دبلوماسيون وخبراء أن تعنّت إسرائيل في ملف الانسحاب ينبع من رغبتها في إبقاء ممرات عسكرية استراتيجية مفتوحة مثل ممر موراغ الحدودي، والسيطرة على الشمال ومناطق التماس لمنع إعادة انتشار المقاومة هناك.
ويقول السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، إن ما يجري هو “مناورة إسرائيلية لإدامة الاحتلال والتمهيد لعمليات تهجير قسري مستقبلية”، مضيفاً أن “تأجيل مناقشة قضايا مصيرية مثل الانسحاب هو انتحار سياسي للمفاوضات ويُظهر ضعف الضغط الأميركي على تل أبيب”.
أما المحلل الفلسطيني نزار نزال، فيرى أن “المماطلة الإسرائيلية قد تُفجّر المفاوضات”، ويؤكد أن تمرير اتفاق دون انسحاب واضح لن يُقبل من “حماس”، وسيُفشل الجهود الأميركية، “إلا إذا ضغطت واشنطن فعلياً على نتنياهو”، الذي عاد الجمعة من زيارة لواشنطن التقى خلالها الرئيس ترمب مرتين.
واشنطن تحت ضغط الوقت… وترمب يسعى لإنجاز تاريخي
فيما تتواصل الغارات والقصف الإسرائيلي على مناطق متفرقة من القطاع، حيث أعلنت وزارة الدفاع في غزة عن مقتل أكثر من 20 فلسطينياً خلال 48 ساعة، قال الجيش الإسرائيلي إنه استهدف 250 هدفاً في القطاع، فيما أعلنت “حماس” مقتل جندي إسرائيلي في خان يونس وإصابة اثنين في اشتباك شمالي القطاع.
في موازاة ذلك، تحاول إدارة ترمب إعادة التوازن إلى المفاوضات، إذ يرى مراقبون أن ترمب يسعى لـ”تحقيق اختراق يُحسب له” وسط حالة التنافس الدولي في المنطقة، ويراهن على تمرير الهدنة لإظهار نفسه كوسيط سلام عالمي قبيل الانتخابات المقبلة، على أمل الفوز بـ جائزة نوبل للسلام.
تحذيرات أممية من كارثة إنسانية في غزة
في تطور متزامن، حذّرت سبع وكالات تابعة للأمم المتحدة، بينها منظمة الصحة العالمية وبرنامج الغذاء العالمي، من أن شح الوقود في غزة بلغ مستويات حرجة تهدد الحياة في المستشفيات ومحطات المياه والبنية التحتية. وذكرت الوكالات في بيان مشترك أن “الوقود هو العمود الفقري للبقاء في غزة، وانقطاعه سيتسبب بكارثة إنسانية غير مسبوقة”.
السيناريوهات المقبلة: الضغط أو الانفجار؟
يرى السفير رخا أحمد حسن أن الضغط الأميركي على إسرائيل هو “الورقة الوحيدة القادرة على فرض الحل الآن”، لافتاً إلى أن “كل ساعة تأخير تُكلف الشعب الفلسطيني المزيد من الضحايا، وتُضعف مصداقية الوساطة الدولية”.
من جهته، يؤكد نزار نزال أن “نتنياهو يعرف أن عدم تمرير الهدنة سيُكلّفه سياسياً، خاصة بعد تراجُع شعبيته في الداخل وفقدانه المكاسب المؤقتة من المواجهة مع إيران”، مشدداً على أن الحل الأقرب هو تمرير اتفاق مؤقت يشمل انسحاباً جزئياً ثم استكمال التفاوض لاحقاً، “وإلا فإن المفاوضات في طريقها للانهيار التام”.
خلاصة المشهد:
مفاوضات الدوحة بشأن وقف إطلاق النار في غزة تمر بمرحلة حرجة، وسط تعثّر بسبب رفض “حماس” خطة إعادة انتشار إسرائيلية تُبقي على احتلال أجزاء كبيرة من القطاع. وبين ضغط أميركي متسارع، ومناورات إسرائيلية، وتمسك فلسطيني بمطالب الانسحاب، يبقى مصير الهدنة معلقًا بين مرونة نتنياهو… أو الانفجار من جديد.