ممدوح إسماعيل يكتب: غزوة أحزاب أمس واليوم (3)
كيف ننتصر؟
خداع العدو تكتيك نبوي
وصلت قوى الكفر للمدينة في شوال عام 5هجرية ولم تستطع أن تتقدم بسبب الخندق فاندلعت المناوشات والتراشق بالنبل دون انقطاع طيلة مدة الحصار
(ذكرت كتب السير انه استمر 24يوم)
وقد تسبب تواصل التراشق والحصار ان المسلمين انشغلوا يوماً عن أداء صلاة العصر، فصلوها بعد الغروب،
وذلك قبل أن تشرع صلاة الخوف، حيث شرعت في غزوة ذات الرقاع
وقتل في هذه المناوشات ثلاثة من المشركين وحاول نفر من المشركين التسلل من ثغرة فانبرى على بن ابى طالب فقتل المشرك عمرو بن ود
واستشهد ستة من المسلمين منهم سعد بن معاذ، الذي أصيب في أكحله – عرق في وسط الذراع – رماه حبان بن العرِقة. وقد نصبت له خيمة في المسجد ليعوده الرسول صلى الله عليه وسلم من قريب، ثم مات بعد غزوة بني قريظة وحكمه الرباني الشهير فيهم
وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وبني قريظة {حم، لا ينصرون}.
وهنا وقفة مهمة في ارتباط الشعار بالقيم التعبوية والأهداف فكان الشعار تأكيدا على النصر رغم الحصار
ولم يكن عيش حرية كرامة إنسانية
فسهل جدا على كل قوى الكفر من قريش إلى أمريكا ان يوفر لك العيش والحرية الليبرالية والكرامة بالمفهوم العصري الأمريكي
لكن لا يعطيك تنفيذ حق تحقيق سلطان لا إله الا الله في الأرض من حاكمية لله وعدل واستقلال
خطة ودرس في تكتيك الخداع
جاء في كتب السير أن نعيم بن مسعود الغطفاني، أتى النبي صلى الله عليه وسلم مسلما وعرض عليه أن يقوم بتنفيذ أي أمر يريده النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (إنما أنت رجل واحد فينا، ولكن خذل عنا إن استطعت، فإن الحرب خدعة)
كتم نعيم اسلامه
ثم أتى نعيم بني قريظة، فأقنعهم بعد التورط مع قريش في قتال حتى يأخذوا منهم رهائن، لكيلا يولوا الأدبار، ويتركوهم وحدهم يواجهون مصيرهم مع المسلمين بالمدينة.
ثم أتى قريشا فأخبرهم أن بني قريظة قد ندموا على ما فعلوا، وأنهم قد اتفقوا سرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يختطفوا عددا من أشراف قريش وغطفان فيسلموهم له ليقتلهم دليلا على ندمهم،
وقال لهم: فإن أرسلت إليكم يهود يلتمسون منكم رهنا من رجالكم فإياكم أن تسلموهم رجلا منكم.
ثم أتى غطفان وقال لهم مثل الذي قاله لقريش. وبذلك زرع بذور الشك بينهم. وأخذ كل فريق يتهم الفريق الآخر بالخيانة.
وأتوقف وقفات مهمة مع ما حدث من نعيم
أولا: نعيم كان من غطفان أي من قوم من العدو فلم يكن من الصحابة او الاوس والخزرج
وكان من قياداتهم بمعنى أنه ثقة لدى قومه
إذا اردت تكرار التجربة فلابد ان يكون شخصا غير معلوم تماما ويفضل أنه من جبهة العدو والخصوم او غير محسوب على الإسلاميين حتى لا يشك به
لا أن تقدم شخصية إسلامية أو معروفة تغير افكارها وتقول للناس انه ينغمس في صفوف الخصم ليخذلهم،
ثانيا: الكفاءة ولو لم يكن نعيم كفؤ للمهمة ما اسندها له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وضح ذلك في قدرته على اقناع العدو بخداع مع ثباته على دينه
وقد حدث أن تم في واقعنا اختيار شخصيات في واقعنا في مواقع الصراع للتعامل مع الخصم مثل أي كان العسكر، الأمريكان أو الجهات الأمنية ثم لعدم كفاءته تجده خارجا من اجتماعهم هو المخدوع وليس الخادع وتسبب في مشاكل لمن معه ومصائب لا حصر لها
الحرب خدعة تعليم نبوي وتكتيك يستخدم في كل زمان ومكان
لكن بفهم وعلم يواكب العصر وقيادة تحسن اختيار الأكفاء للحرب خدعة حتى لا ينخدع المسلمون
لقد كفى الله المؤمنين القتال فهزم الأحزاب بسبب بذلهم لكل الأسباب المادية والايمانية وهى:
1- الصمود والثبات الإيماني
2- القدرة الرهيبة على تحمل المشاق البدنية جوع وتعب وبرد وحصار
3- التلاحم بين القيادة والافراد
4- تحقيق الشورى
5- حس إدارة القيادة لاستخدام الأسباب في التفكير والخداع لتخذيل الأحزاب
مثال نعيم بن مسعود
كانت نتيجة بذل الأسباب البشرية الخمس فيما سبق ان جاء فرج الله ومنته بمعجزة الرياح:
هبت ريح هوجاء في ليلة مظلمة باردة، فقلبت قدور المشركين واقتلعت خيامهم وأطفأت نيرانهم ودفنت رحالهم،
فما كان من أبي سفيان إلا أن ضاق بها ذرعا فنادى في الأحزاب بالرحيل.
وكانت هذه الريح من جنود الله الذين أرسلهم على المشركين، وفي ذلك يقول الله تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها، وكان الله بما تعملون بصيرا}.
حذيفة وثباته وذكائه
وروى مسلم بسنده عن حذيفة بن اليمان طرفا مما حدث في تلك الليلة الحاسمة، قال حذيفة: لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب، وأخذتنا ريح شديدة وقر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا رجل يأتني بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة»،
فسكتنا فلم يجبه منا أحد، … «ردد ذلك ثلاثا» ثم قال: «قم يا حذيفة فأتنا بخبر القوم»، فلم أجد بداً إذ دعاني باسمي أن أقوم. قال: «اذهب فأتني بخبر القوم ولا تذعرهم علي»
فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشي في حمام، حتى أتيتهم، فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره بالنار، فوضعت سهما في كبد القوس، فأردت أن أرميه، فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ولا تذعرهم علي»، ولو رميته لأصبته، فرجعت
[وهنا وقفة مهمة في اختيار النبي صلى الله عليه وسلم لحذيفة لعلمه أن حذيفة سيمتثل للأمر النبوي بدقة ولن يتسبب في مشكلة بالخروج عن الأمر وقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تذعرهم علي) حكمة نبوية في درء المفاسد ومعرفة نتائج أي فعل وما يسببها من مفاسد
لذلك القائد الناجح الذي يدرك جيدا نتائج كل خطوة ويعمل لها حساب]
نرجع لحذيفة فقال: وأنا أمشي في مثل الحمام. فلما أتيته فأخبرته بخبر القوم وفرغت، فألبسني رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها. فلم أزل نائما حتى أصبحت فقال: قم يا نومان.
(سيدنا حذيفة يروى عن نفسه كيف كان خوفه والحصار والريح والبرد ومع ذلك عندما جاء الأمر النبوي وهي عملية استشهادية داخل صفوف العدو ولكنه امتثل رغم كل ما يعانيه
وهو درس لكل مسلم انه مهما كان حالك والاحوال حولك عليك بالامتثال لأمر النبي ففيه كل الخير ثم للفرد المسلم ان يسمع للقيادة ويستجيب فورا)
وزاد ابن إسحاق في روايته لهذا الخبر:
«… فدخلت في القوم، والريح جنود الله تفعل بهم ما تفعل لا تقر لهم قدرا ولا إناء ولا بناء، فقام أبو سفيان، فقال: يا معشر قريش لينظر امرؤ من جليسه؟ فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جانبي فقلت له: من أنت؟ قال: فلان بن فلان. ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف، وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون … فارتحلوا فإني مرتحل».
وفي رواية الحاكم والبزار: … قلت: يا رسول الله: تفرق الناس عن أبي سفيان فلم يبق إلا عصبة توقد النار قد صب الله عليه من البرد مثل الذي صب علينا ولكنا نرجو من الله ما لا يرجون}.
(وهنا حذيفة كان ذكيا لماحا ممتثلا لأمر النبي بسرعة
فقد حدث في مهمته في الظلام أن بادر عدوه في عقر داره بالسؤال قبل ان يكون متهما
فقام بسرعة خاطفة واتهم غيره بثبات وشجاعة
ولم يدفعه الحماس لقتل الكفار
ويقول هم كفار وجب قتلهم واكون بطلا
لا
البطولة في تحقيق مصلحة الإسلام وتنفيذ امر القيادة التي علمت ان حذيفة كفؤ للمهمة فى التحمل والتسلل والانغماس وسط العدو وسرعة البديهة والشجاعة مع عدم التهور
وفى هذا درس لحسن اختيار الافراد الذين ينغمسون في صفوف الخصم
فقد كان في الصحابة أفضل ايمانا من حذيفة
ولكن الكفاءة للمهمات تتطلب شروطا متعددة غير الايمان
وهي من أكبر مشاكل الفهم والإدارة في العمل الإسلامي
ويبقى أنه مع بذل كل الأسباب لا يتوقف الدعاء
كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو {اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم}.
وهنا نتوقف فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يمكن ان يدعو الله فيستجيب له
ولكن نبينا صلى الله عليه وسلم يعلم الأمة أنه لابد من البذل واتخاذ كل الأسباب المتاحة والصبر
وليس كما يحدث الآن
الناس تدعو وتبكي
ولا يعملون اعتمادا على انهم ضعفاء!!
لقد كان المسلمون في الخندق في اشد حالات الضعف من كل ناحية
ولكنهم اتخذوا كل سبب متاح
حفروا الخندق وتترسوا واستعدوا واستغلوا ذكاء مخابراتهم سياسيا في تفتيت العدو
ولم يكتفوا بالهتاف مالنا غيرك يا الله
نعم الله مولى المؤمنين
لكن لابد من البذل لان الثمن غالى هو الجنة
ولا الهتاف يسقط يسقط قريش وغطفان
يسقط يسقط عسكر الأحزاب
بل عملوا واستعدوا واخترقوا صفوف العدو
فكانت خاتمة حصار قوى الكفر التي اجتمعت للقضاء على الإسلام هو الخزي
قال الله: {ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خير وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا}.
إذا اردت ان يكفيك الله في قتال غير متكافئ فلا تتراجع بحجة ضعفك وتبدل معتقدك ستنهزم بداية ونهاية
لكن ابذل كل الأسباب الصحيحة للاستعداد وأولها الثبات العقدي
فما تمت هزيمة للمسلمين إلا من الخلل في العقيدة
ستنتصر
ولن ينال العدو خيرا
وسيردهم الله
ان الله قوى عزيز لا يعجزه شيء سبحانه
أخي المسلم الضعيف المحاصر المسجون المطارد المهاجر المبتلى
مهما كانت قوة الكفر وبطشه امامك
كن مؤمنا ان الله وحده هو القوي العزيز