تقاريرسلايدر

من التهميش إلى القوة..المسلمون الأمريكيون يعيدون كتابة قصتهم

قبل ربع قرن، هزت هجمات 11 سبتمبر 2001 أمريكا، وألقت بظلال من الشك والتمييز على المسلمين الأمريكيين. اليوم، يبرز هذا المجتمع كقوة سياسية وثقافية لا يستهان بها، حيث يشغلون مقاعد في الكونغرس، يقودون برامج إعلامية، ويتركون بصماتهم في الرياضة والفنون. من مجتمع منقسم إلى كتلة موحدة، كيف تحول المسلمون الأمريكيون التحديات إلى فرص؟ هذا التقرير يكشف القصة.

نقطة تحول: من الصدمة إلى الوحدة

في أعقاب هجمات القاعدة، واجه المسلمون الأمريكيون موجة غير مسبوقة من الكراهية. قفزت جرائم التمييز ضد المسلمين من 28 حالة في 2000 إلى 500 في 2001، وفقاً لمكتب التحقيقات الفيدرالي. سياسات “الحرب على الإرهاب”، بما فيها مراقبة المساجد وغزو العراق 2003، عمقت شعورهم بالعزلة. لكن هذه الأزمة أشعلت شرارة التغيير.

قبل 2001، كان المسلمون، الذين لم يتجاوز عددهم المليون، مجموعة متنوعة من الإثنيات – إيرانيون، باكستانيون، أمريكيون سود – مع هويات متفرقة. يقول نهاد عوض، المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (CAIR): “شعرنا بألم 11 سبتمبر كالجميع، لكن لُمنا على جريمة لم نرتكبها.” هذا الواقع دفع المسلمين لتوحيد صفوفهم، فبدأوا يعرفون أنفسهم كمجتمع إسلامي متماسك، مستلهمين إرث شخصيات مثل مالكوم إكس ومحمد علي.

قوة الأعداد: نمو ديموغرافي متسارع

تضاعف عدد المسلمين الأمريكيين إلى 3.7 مليون بحلول 2025، مدفوعاً بارتفاع الهجرة ومعدلات المواليد المرتفعة، وفقاً لمعهد السياسة الاجتماعية والتفاهم. بين 2002 و2016، زاد عدد المهاجرين المسلمين من 6 آلاف إلى 40 ألفاً سنوياً، قبل أن تقلصه قيود إدارة ترامب إلى أقل من 12 ألفاً بحلول 2020.

لم يقتصر التغيير على الأعداد. انتقل المسلمون إلى الضواحي، حيث يوجد الآن 52% من المساجد، مقارنة بـ38% في 2010. كما نما عدد المساجد من 1209 في 2000 إلى 2800 في 2025، مما عزز حضورهم الاجتماعي وسهّل بناء شبكات دعم قوية.

الصعود السياسي: من الهامش إلى السلطة

كان المسلمون كتلة تصويتية مؤيدة للجمهوريين في 2000، حيث دعم 72% جورج بوش الابن. لكن سياسات ما بعد 11 سبتمبر قلبت الموازين، فلم يؤيده سوى 7% في 2004. بحلول 2025، أصبح المسلمون ركيزة للديمقراطيين، خاصة في ولايات متأرجحة.

دفع التمييز، وخاصة بعد خطاب ترامب المعادي في 2016، جيلاً شاباً من النشطاء لخوض غمار السياسة. في 2020، ترشح 170 مسلماً في 28 ولاية، فاز منهم 62، وسجل مليون مسلم تصويتاً قياسياً. أبرز النجاحات تشمل:

  • كيث أليسون: أول مسلم في الكونغرس (2007)، مهد الطريق للآخرين.

  • إلهان عمر ورشيدة طليب: أول مسلمتين في الكونغرس (2018)، أعيد انتخابهما مرات عدة.

  • صدف جعفر: من موظفة دبلوماسية إلى أول عمدة مسلمة في مونتغمري (2019)، ثم عضوة في الجمعية العامة لنيوجيرسي (2021).

في 2024، فاز مرشحون مسلمون بمناصب عمدة في ديربورن وهامترامك بميشيغان، مما يعكس نفوذهم المتزايد في المناطق ذات الكثافة الإسلامية. يقول وائل الزيات، مدير Emgage: “انتخاب ترامب كان بمثابة جرس إنذار، فتحرك المسلمون ليشكلوا مصيرهم.”

إعادة صياغة الصورة: النفوذ الثقافي

لم يقتصر تأثير المسلمين على السياسة. في الإعلام، برز علي فيلشي كأول مسلم يقدم برنامجاً إخبارياً على MSNBC، بينما ترك المسلمون بصماتهم في السينما، الرياضة، والموسيقى. هذا الحضور قلّص الصور النمطية وأظهر تنوع المجتمع المسلم. تقول الدكتورة نيلوفار حائري: “المسلمون لم يعودوا يخشون إظهار هويتهم، بل يحتفون بها.”

مواجهة العواصف: مرونة في وجه التمييز

لم يخلُ المسار من عقبات. حظر السفر 2017 وهجمات سياسية، مثل اتهامات مارجوري تايلور غرين لإلهان عمر بـ”دعم الإرهاب”، أعادت إشعال المشاعر المعادية. لكن المسلمين استجابوا بالنشاط القانوني والسياسي، مدعومين بتحالفات مع يهود، مسيحيين، وجماعات تقدمية.

يوضح النائب أندريه كارسون: “11 سبتمبر جمع بين المسلمين المهاجرين والأمريكيين السود في نضال مشترك ضد الظلم.” منظمات مثل CAIR وEmgage عززت هذا الزخم، موجهة الشباب نحو المشاركة المدنية.

صوت عالمي: تشكيل السياسة الخارجية

امتد نفوذ المسلمين إلى السياسة الخارجية. في 2021، قادت عمر وطليب نقاشات حول الحرب على غزة، دافعتا عن حقوق الفلسطينيين، مما أثر في مواقف الديمقراطيين. بحلول 2025، استمر هذا التأثير مع تزايد الدعم للعدالة الاجتماعية عالمياً.

مستقبل واعد

من مجتمع يواجه التهميش إلى قوة تشكل أمريكا، قصة المسلمين الأمريكيين هي قصة صمود وطموح. مع نموهم العددي، تنظيمهم المحكم، وشجاعة جيلهم الشاب، يواصل المسلمون كتابة فصول جديدة في تاريخ البلاد. فما الذي سيحمله العقد القادم؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى