أشعل الإعلان عن اتفاقية توريد غاز إسرائيلي إلى مصر بصفقة هي “الأكبر بالتاريخ” بقيمة 35 مليار دولار، حالة من الجدل والغضب في آن واحد، على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما اعتبرها كثيرون محاولة لإنقاذ سمعة دولة الاحتلال الإسرائيلي أخلاقيا واقتصاديا.
في الوقت الذي تعاني إسرائيل من شبه عزلة دولية نتيجة جرائم الحرب والتجويع التي تقوم بها في قطاع غزة، تعلن إسرائيل وبشكل مفاجئ عن إتمام صفقة بقيمة 35 مليار دولار لتوريد الغاز، الأمر الذي شكل صدمة في مصر، وخاصة بين المدافعين عن الإنسان في غزة، تحت وطأة الجرائم التي ترتكبها إسرائيل تحت حكومة اليمين المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو
وكتب وزير الطاقة الإسرائيلي، إيلي كوهين بتدوينة على صفحته بمنصة إكس (تويتر سابقا) دون تسمية مصر مباشرة: “تُعدّ أكبر صفقة غاز في التاريخ، المُوقّعة اليوم، خبرًا هامًا على الصعيد الأمني والدبلوماسي والاقتصادي.. إنها تُرسّخ مكانتنا كقوة إقليمية رائدة في مجال الطاقة، يعتمد عليها جيراننا ويحتاجون إليها.. كما تُمثّل هذه الصفقة خبرًا سارًا للاقتصاد الإسرائيلي، إذ ستُدرّ مليارات الدولارات على خزينة الدولة، وتُوفّر فرص عمل، وتُعزّز الاقتصاد.. سنواصل تعزيز قطاع الغاز الطبيعي، وهو رصيد استراتيجي لدولة إسرائيل”.
وعلى الجانب الأخر من مصر، أوضح المتحدث باسم وزارة البترول والثروة المعدنية في مصر، معتز عاطف، خلال مداخلة على قناة صدى البلد قائلا إن “ما تم تداوله مؤخرًا بشأن توقيع اتفاقية جديدة بين مصر وإسرائيل لتوريد الغاز غير دقيق.. ما جرى هو تعديل لاتفاقية موقعة سابقًا في عام 2019، وليست صفقة جديدة كما يُروج البعض”.
وأضاف المتحدث: “الهدف الأساسي من هذا التعديل هو تعظيم الاستفادة من مصادر الطاقة وتنويعها.. مصر تسعى بكل قوة لأن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة في منطقة الشرق الأوسط”، مشيرا إلى أن بلاده “وقعت خلال السنوات الماضية عدة اتفاقيات مع دول مختلفة، أبرزها قبرص، لتوريد الغاز الطبيعي، بما يحقق التوازن المطلوب بين الاستهلاك المحلي وتصدير الفائض للأسواق الخارجية”.
فيما استعان عدد من نشطاء مواقع الاجتماعي بكلمات مصورة للرئيس عبد الفتّاح السيسي، قال إن التاريخ سيحاسب كلّ من تواطأ أو شارك أو صمت عن الجريمة الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل ضدّ الشعب الفلسطيني.
وعلقالكاتب الصحفي وائل قنديل على الصفقة قائلا: ” مدهشٌ أن تكون القضية في قاموس السيسي مواجهة بين “الدولة الإسرائيلية” و”العناصر في غزّة”، وفي منظوره القيمي والقومي كذلك، يمكنك أن تقسم أيماناً مغلّظة بأنك صاحب الدور الأكبر في الدفاع عن الشعب الفلسطيني ضدّ حرب الإبادة الصهيونية، وفي الوقت نفسه، تحصل على امتيازات مالية وإسرائيلية غير مسبوقة، بقيمة 35 مليار دولار شحنات غاز طبيعي ممّا يسرقه الاحتلال من فلسطين”.
وأضاف قنديل خلال مقاله على صحيفة “العربي الجديد”: ” مرّة أخرى، الأسوأ من التبعات الاقتصادية والسياسية لفضيحة التربّح من صفقات الغاز الآتي من العدو الإسرائيلي، هو إسالة المفاهيم الوطنية والأخلاقية، الأمر الذي يتحوّل معها تعريف الوطن من كيان مقدّس، زمانياً ومكانياً، إلى “سوبر ماركت” يبحث عن الربح بأيّ وسيلة وتحت أيّ شرط، بدلاً من البحث عن المجد والعزّة والكرامة الوطنية”.
وعلقت الدكتورة عالية المهدي، الأستاذة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة وعميدها الأسبق، على الأثر الاقتصادي للصفقة مع إسرائيل قائلة: ” مفيش أيّ سبب موضوعي مقبول يخلّي سعر صرف الجنيه قصاد الدولار يرتفع، لا صادراتنا زادت بشدّة ولا عجز الميزان التجاري انخفض، ولا معدّل التضخم في مصر بقي أقلّ من معدل التضخم عند الشركاء التجاريين، ولا التزاماتنا تجاه الخارج قلت،
وما زال علينا أعباء سداد مديونية ضخمة سنوياً. صحيح أن رؤوس الأموال الساخنة زادت ووصلت 41 مليار دولار تقريباً، بس دي أرقام تقلق مش تفرّح حدّ، لأنها ممكن تخرج في أي لحظة وتسبّب أزمات كبيرة. يبقى مطلوب نفهم ليه سعر الدولار قصاد الجنيه انخفض؟”.
فيما قال الخبير الاقتصادي محمد أنيس، إنه قبل هذه الاتفاقية الجديدة، كانت مصر تستورد من إسرائيل الغاز تقريبا من 800 ميلون إلى مليار قدم مكعب، وبعد هذا الاتفاق يضاف نفس الكمية تقريبا ولكن من حقل ثاني، وبخصوص السعر لا يمكن تحديده لأنه لم يتم الإعلان عنه، ومن الممكن الإعلان عنه لاحقا.
وأضاف بأن الاتفاق يمنح مصر قدرة أكبر على التخطيط طويل المدى لتأمين احتياجاتها من الغاز الطبيعي، خاصة في ظل التحديات المرتبطة بالإنتاج المحلي وتقلبات السوق العالمية.
وأكد الخبير الاقتصادي، أنه نظرا لأزمة الشحنة في مصر عامي 2022 و2023 نتج عنها أننا لم ندفع الكامل حقوق شركائنا في قطاع البترول في الشركات العالمية وبالتالي تم تقليل الاستكشافات وبالتالي إجمالي الغاز الخاص بمصر قل من 7 مليار قدم يوميا إلى مستوى 4 مليار يوميا،
لذلك الغاز الذي تستورده مصر من إسرائيل حاليا بدلا من تصديره يتم استهلاكه ولا يكفي، وبالتالي مصر تستورد غاز مسال وتحويله إلى الحالة الغازية ثانيا ونستهلكه في السوق المحلي وهذا أغلى بكثير.
وتابع: “الكمية المضافة من قبل إسرائيل تأتي من الأنابيب بمعني الحالة الغازية ولكن أرخص من الغاز المسال، والبديل حتى إذا جاء من إسرائيل هيكون أفضل لأنه أرخص من الغاز المسال”.
وأشار إلى أن الكمية الإضافية من حقل ليفياثان مؤقتا ستقوم بتغطية العجز في السوق المحلي لحين استعادة مستويات الإنتاج لطبيعتها بعد سنتين أو ثلاثة ويصبح السوق المحلى بالكامل يتغطي من أرخص غاز في تكلفة الإنتاج.