“من نار السكينة”.. شعر: محمود حسن إسماعيل
إلهي وما زال في الناي سرُّ
وشطٌّ من الوحي ما زُرْتُهُ
ولا شربت حيرتي منه لحنًا
ولا أي يوم بها جئتهُ
عميقٌ كحلمِ الرؤى في خيالٍ
على غفوةِ الروحِ كفّنتُهُ
توارى وأسبلَ أنغامه
على وترٍ كنتُ قطَّعتهُ
وأحرقتُ فيه ربيعَ الحياة
ومن غفوة القلبِ ودَّعتهُ
عميقٌ ولكنَّهُ سابحٌ
قريبٌ إذا ما تذكَّرتهُ
وذكراه في كل ما أشتهي
وفي كل شيءٍ تعشَّقتهُ
أراهُ على الزهر لكنني
إذا صافح العطر غافلتهُ
أراهُ على النهرِ لكنِّني
إذا عانق الموجِ غادرتهُ
أراه على الدوحِ لكنني
إذا مايل الغصن زايلتهُ
أراه على الأفقِ شيئًا أضاءَ
ومن نعش ناري توهَّمتهُ
أراه على الريحِ صوتَ الحنينِ
تجسَّد حتّى تأمَّلتهُ
وأبصرتُ فيه مزار الخيالِ
على معبدٍ كنتُ حرَّمتهُ
وأودعته في جناز الغروبِ
لقاءً مع الغيبِ واعدْتهُ
أراه بِذاتي في كل همسٍ
وفي كل طيفٍ تخيَّلتهُ
أراه يسير معي في الحياةِ
كيانًا خفيًّا وصاحبتهُ
وقاسمتهُ كل زاد السكونِ
وكل الهوى حين صافيتهُ
وكل الصباحِ وكل المساءِ
وكل الدجى حين خامرتهُ
وكل الجراحِ وكل النواحِ
وكل الأسى إن ترشّفتهُ
وكل الأثيرِ وكل العبيرِ
وكل المصيرِ إذا كُنتهُ
وفي كل ذراتِ هذا الوجودِ
أراهُ رنينًا تسمَّعتهُ
وأصغيتُ فيه وكرّرتهُ
وجودًا لذاتي أخفيتهُ
إلهي من أين أهفو إليه
ودربي لرؤياه ضيَّعتهُ
وفجَّرتهُ في زماني زمانًا
وتيهًا على التِّيه واصلتهُ
وما كان إلاّ غناء الظنونِ
وشجوًا من الحبِّ أقلقتهُ
وأشعلت فيه صلاة الربابِ
تغنِّي زماني وما ذقتهُ
تلاشيتُ في كل درب فما
أحسُّ بغير المدى فتُّهُ
وأوغلتُ حتى سقاني الطريقَ
ثمالاتِ سحرٍ تصوَّرتهُ
شواني وأبقى رمادَ الضياءِ
ومازال جمرًا تشهَّيتهُ
تبسّم في ناره كلُّ شيءٍ
وتنهيد نايي كما جئتهُ
على الريح يهدرُ لا هدأةٌ
ولا ظلٌّ ظِلٌّ تمنَّيتهُ
ولا سجوةٌ في مهبِّ الخيالِ
يغنِّي بها ما تلقَّنتهُ
نشدتُ السكينةَ في كل جمرٍ
على وتر القلبِ أوقدتهُ
ومالي يدٌ فيه إلا صدًى
كما تسمع الروح ردَّتهُ
غنائي ومنِّي ومالي سبيلٌ
إليه فأَنَى أَتَى سُقتهُ
سمعت به الكوخ تحت الظلامِ
عويلاً من البؤس غنَّيتهُ
وأقداح رق بكف الطغاةِ
أساها بنايي تجرَّعتهُ
وشلَّت يدُ الله طاغوتَها
بفجر على النيل قدَّستهُ
فناغمت فيه انتفاض الحياةِ
بسحرٍ من اللهِ ألهمتهُ
وسبّحتُ لمَّ أطَلَّ الضياءُ
ودكَّ الظلامَ الذي عشتهُ