مهنا خضيرو يكتب: التحالف اليهودي الفارسي عبر التاريخ
اعلم يا رعاك الله أن اليهود كانوا مكروهين من جميع الشعوب التي أحاطتهم، فقد عاداهم المصريون والآراميون والفلسطينيون الكنعانيون والآشوريون والبابليون والكلدانيون والإغريق ممن خلفوا الإسكندر المقدوني والروم والنصارى والأنباط، ثم العرب المسلمون، حيث كان جميع العرب حلفاً واحداً ضد اليهود وأفعالهم العدوانية تجاه العرب وبلادهم اضطهادًا وتآمراً بل وعنفاً وإجراماً، ولم يصادق اليهود في كل ما مضي من تاريخهم القديم إلا المجوس الفرس الذين حالفوهم ونصروهم منذ أزل التاريخ، فأصبحوا حلفاء على الباطل ويد واحدة تزرع الفساد وتبث الإجرام على طرقات العرب ومواطنهم..
في سنة 721 ق. م. قام الآشوريون بنقل سكان مملكة إسرائيل إلى حران والخابور وكردستان وفارس وأحَلّو محلهم جماعات من الآراميين، ثم اندمج الإسرائيليون تماماً مع الشعوب المجاورة لهم في المنفى فلم يبقى بعد ذلك أثر للأسباط العشرة من بني إسرائيل، وبعد ذلك لم يبقى إلا مملكة يهودا التي فيها سبطي بنيامين ويهوذا فقد كانوا على طريق آخر من الضلال بالتضاد مع العرب المسالمين وبعد ذلك هوجمت تلك المملكة التابعة لليهود من قبل المصريون والفلسطينيون العرب ثم سقطت في عام 597 ق. م. بيد نبوخذ نصر (بختنصر) الذي سبى اليهود إلى بابل وأذلهم.
بعد مرور وقت لا بأس فيه، لاحت الفرصة لليهود للعودة مرة ثانية أخرى إلى فلسطين عندما أسقط الامبراطور الفارسي قورش الثاني الدولة البابلية الكلدانية 539 ق. م. بمساعدة يهودية، وانتصر على ميديا، ومد نفوذه إلى فلسطين التي دخلت في عصر السيطرة الفارسية 539-332 ق. م فقد كانت الفرصة متاحة للأصل اليهودي لاختراق المواطن العربية بل تدميرها وإغلاق كافة منافذ الحرية والسيطرة عليها بالاحتلال، حيث سمح قورش بعودة اليهود إلى فلسطين كما سمح لهم بإعادة بناء الهيكل في القدس، غير أن القليل من اليهود انتهزوا الفرصة وذلك لكون الكثير من السبي أعجبتهم الأرض الجديدة، ولكن القلة المتشددة التي عارضت الاندماج حفظت بني إسرائيل من الاندثار والاختفاء، وأُتيح لهم الاستقرار في منطقة فلسطين التابعة للعرب وتمتع اليهود في منطقة القدس بنوع من الاستقلال الذاتي تحت الهيمنة الفارسية وكان ومازال الاحتلال اليهودي الفارسي لأرض العرب قائم إلي يومنا هذا..
وحتى اليوم يقوم الرأي الإيراني حول اليهودية على الأساس نفسه الذي وضعه الإمبراطور قورش عند تحريره اليهود من السَّبي البابلي، وهو أن اليهود جنس له شبه كبير بالجنس الآري (الفارسي)، ويمكن الاستفادة منه من خلال إغرائه بالمال، لذلك يصنع هنا الفرس جيشاً من اليهود للحفاظ على مصالحهم وتنفيذ غاياتهم ومتطلباتهم من خلال إنشاء وطن يهودي قائم مستقل يُعادي العرب ويقتل أمانيهم ويسلب كافة حقوقهم..
لم تطول وما لبثت هذه المدة إلا أن آلت إلى الزوال بقدوم الاسكندر الأكبر ثم السلوقيون الإغريق من بعدهم، وهؤلاء قاموا باضطهاد اليهود وطبعوهم بطابع إغريقي، إلى أن جاء الرومان وجاء المسيح عيسى ابن مريم – عليه السلام، ثم ثار اليهود على حكم الرومان الظالم في عام 66م واستطاع الرومان إخماد ثورة اليهود ودخلوا القدس بعد حصار شديد وشنوا أعمال القتل والنهب والحرق الشنيعة وقاموا بكافة أنواع الفساد، ودمروا الهيكل حتى لم يبقى حجر على حجر ومن ثًمً أصبحت مدينة القدس قاعاً صفصفاً، وقد تم بيع كثير من الأسرى عبيداً في أسواق الإمبراطورية الرومانية بأبخس وأقل الأثمان.
ثار اليهود مرة أخرى، فنكل الرومان بهم أشد تنكيل ودهسوهم دهساً صارماً، وحظروا عليهم دخول إيلياء تلك المدينة التي بناها الرومان على أنقاض القدس المُدمًر بفعل اليهود المُجرمين، ثم دخل الرومان النصرانية فازدادوا عداءً لليهود الذين يزعمون قتل المسيح ويقولون ما هو الباطل ليضلوا الأعمى، بعد أن امتلك الفرس بيت المقدس وقتلوا النصارى وهدموا الكنائس وسفكوا وقتلوا الديانات الأخرى والعرب وما يعترض طريقهم، أعانهم اليهود على ذلك وكانوا أكثر قتلا وفتكاً في النصارى من الفرس فكان انتقامهم أكثر بشاعة وأكثر عنفاً لا يحمل لديه معني للرحمة، فلما سار هرقل إليه استقبله اليهود بالهدايا وسألوه أن يكتب لهم عهدا ففعل فلما دخل بيت المقدس قام الكثير من النصارى بالشكوى إلى هرقل مما فعله اليهود وحلفائهم إليه وقالوا له ما صنعوه اليهود بهم، فقال لهم هرقل: وما تريدون مني. قالوا: تقتلهم. قال: كيف أقتلهم وقد كتبت لهم عهدا بالأمان وأنتم تعلمون ما يجب على ناقض العهد. فقالوا له: إنك حين أعطيتهم الأمان لم تدرك ما فعلوا فهم قتلوا النصارى وهدموا الكنائس وقتلهم (أي اليهود) قربان إلى الله – تعالى – ونحن نتحمل عنك هذا الذنب ونكفره عنك ونسأل المسيح أن لا يؤاخذك به ونجعل لك جمعة كاملة في بدء الصوم نصومها لك ونترك فيها أكل اللحم ما دامت النصرانية ونكتب به إلى جميع الآفاق غفراناً لما سألناك فاستغاثوا به، فأجابهم بالقبول وبالفعل قتل من اليهود حول بيت المقدس وجبل الخليل مالا يُعد ولا يُحصى من كثرة الأعداد المهولة من اليهود التي قُتلت على يد هرقل طمعاً في أخذ الحقوق ونصرة الحق وإنهاء الظلم والاستبداد..
هذا هو تاريخ اليهود يا سادة {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ۗ}، هذا هو الشعب الذي جعل الله منه قردةً وخنازيراً لم يعرفوا حليفاً لهم في تاريخهم القديم إلا المجوس الفرس.
وما أشبه اليوم بالبارحة فها نحن نعيش الآن ما كان من قبل وما كنا فيه، فالآن إيران التي تُمثل الفرس وإسرائيل التي تُمثل اليهود حلفاء ويد واحدة ضد الفلسطينيين العرب والسوريين والعراقيين وغيرهم من العرب المسالمين، ومازال انتشار الاحتلال والظلم والاستبداد والفساد والقتل والتدمير من قبل الفرس واليهود ضد العرب ومواطنهم وبلادهم.!
نعم اي والله هذه هي الحقيقه بارك الله فيك
مبدع بارك الله فيك على هذا النشر ياغالي
أحسنت يا أستاذ مهنا على هذا التحليل العميق والربط التاريخي الدقيق بين الأحداث القديمة والواقع الحالي. لقد قدمت صورة واضحة عن العلاقات المعقدة بين الشعوب وسلطت الضوء على جوانب مهمة من التاريخ قد يغفل عنها الكثيرون. استمر في تقديم هذه المقالات التي تفتح آفاق التفكير وتعمق فهمنا للتاريخ وعلاقته بالحاضر.