موقعة الطائف
في 22 من شهر رمضان سنة 8 هـ ..الموافق 12 يناير 630م، حدثت موقعة الطائف.. بين قوات المسلمين بقيادة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وقبيلة ثقيف وقبيلة هوازن، وهدفت الغزوة إلى فتح الطائف والقضاء على قوات ثقيف وهوازن الهاربة من غزوة حنين، وهي امتداد لغزوة حنين، وذلك أن معظم فلول هوازن وثقيف دخلوا الطائف مع قائدهم “مالك بن عوف النصري” وتحصنوا بها، فسار إليهم رسول الله بعد فراغه من حنين.
سار الرسول (صلى الله عليه وسلم)، في جيشه الضخم متجهًا إلى الطائف، والمقارنة عجيبة بين هذا المسير المهيب للطائف، وبين مسيره إليها قبل 11 عامًا، وكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) وقتها متجهًا إلى الطائف، وهو في أشد حالات الحزن والضيق، وكان يسير ماشيًا على قدميه، وليس معه إلا غلامه “زيد بن حارثة”، رضي الله عنه، فقد طردته مكة، وأخرجته وتنكّرت له، وماتت السيدة خديجة (رضي الله عنها)، ومات عمه أبو طالب، وليس معه في مكة إلا أقل القليل من المؤمنين الذين لا يتجاوزون المائة .. فالوضع كان في قمة المأساة، ولم تخفف الطائف من آلامه (صلى الله عليه وسلم)، بل عمّـقت هذه الآلام، ورفضت الدعوة الإسلامية بتكبّر، وحاربت الرسول (صلى الله عليه وسلم) بشدة، واستقبلته استقبال اللئام، وطردوه هو وصاحبه زيد، وقد أمطروهما بوابل من الحجارة والتراب والسباب
وغادر الرسول (صلى الله عليه وسلم) في ذلك اليوم الطائف، وعاد متجهًا إلى مكة، مهمومًا، ورغم كل ذلك؛ إلا أنه (صلى الله عليه وسلم) رفض طلب ملك الجبال بتدمير الطائف ومكة اللتين كفرتا بالله عز وجل، بل قال: “بَلْ أَرْجُو مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا”.
ومرت الأيام، وكما يقول الله عز وجل: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}
[آل عمران: 140].
وغيّرَ اللهُ عز وجل الأحوال، وجاء الرسول (صلى الله عليه وسلم) بعد 11 عامًا كاملة بما لا يتخيله أحد، لا من الطائف، ولا من مكة، ولا من أهل الجزيرة بكاملها.
جاء (صلى الله عليه وسلم) الآن عزيزًا منتصرًا مُمَكَّنًا، رافعًا رأسه، ومحاطًا بجيشٍ مؤمنٍ جرّار، يزلزل الأرض من حوله، ويرفع راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله).
أحد عشر عامًا فقط بين الموقفين، وتحقق ما ذكره (صلى الله عليه وسلم) لصاحبه “زيد بن حارثة” يوم قال له في يقين، بعد عودتهم المحزنة من الطائف: “يَا زَيْدُ، إِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لِمَا تَرَى فَرَجًا وَمَخْرَجًا، وَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرٌ دِينَهُ، وَمُظْهِرٌ نَبِيَّهُ”.