يشهد بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان تصاعدًا ملحوظًا في سباق التسلح البحري، حيث تسعى الصين والولايات المتحدة إلى تعزيز قدراتهما العسكرية تحت سطح البحر.
ويأتي هذا التطور في إطار التوترات الجيوسياسية المتزايدة بين القوتين العظميين، في وقت يشتد فيه الصراع على النفوذ في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
الصين تعزز أسطولها بغواصات متطورة
الصين استثمرت بشكل متسارع في تطوير قدراتها البحرية، خصوصًا الغواصات النووية والهجومية. وتشير تقارير عسكرية إلى أن بكين تعمل على إدخال غواصات من طراز Type 095،
والتي تتميز بتكنولوجيا متقدمة تقلل من بصمتها الصوتية وتجعلها أكثر قدرة على المناورة والتخفي.
إلى جانب ذلك، تواصل الصين إنتاج الغواصات التقليدية من فئة Yuan، وهي غواصات ديزل-كهربائية مزودة بأنظمة دفع صامتة متطورة تجعلها سلاحًا فعالًا في العمليات القريبة من السواحل.
هذه الغواصات تمنح البحرية الصينية أفضلية استراتيجية في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي، حيث تزداد التوترات مع الولايات المتحدة وحلفائها.
التحديات الأميركية في سباق الغواصات
في المقابل، تواجه الولايات المتحدة تحديات في تعزيز قدراتها البحرية تحت السطح. فرغم امتلاكها واحدًا من أكبر أساطيل الغواصات النووية في العالم، إلا أن تأخرات في عمليات التصنيع وتكاليف الإنتاج المرتفعة أدت إلى بطء في توسيع الأسطول.
الولايات المتحدة تعوّل بشكل متزايد على شراكة “أوكوس” مع أستراليا وبريطانيا، والتي تهدف إلى تزويد كانبيرا بغواصات نووية متقدمة، إضافة إلى تعزيز التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي والأنظمة غير المأهولة.
غير أن هذا المشروع الاستراتيجي يواجه هو الآخر تحديات تتعلق بالتمويل والتقنيات المعقدة، مما يضع ضغوطًا إضافية على واشنطن في مواجهة النمو السريع للقوة البحرية الصينية.
انعكاسات استراتيجية على مضيق تايوان
مضيق تايوان يبقى بؤرة التوتر الرئيسية، إذ تعتبره الصين جزءًا من أراضيها وتلوّح دائمًا بإمكانية استعادته بالقوة إذا لزم الأمر، بينما تؤكد الولايات المتحدة التزامها بدعم تايبيه عسكريًا.
في هذا السياق، تلعب الغواصات دورًا محوريًا في تغيير موازين القوى البحرية، حيث تتيح للصين تعزيز حصار محتمل على الجزيرة، فيما تراهن واشنطن على غواصاتها المتقدمة لردع أي تحرك عسكري صيني.
سباق تكنولوجي مستمر
السباق لا يقتصر على الكم بل يمتد إلى النوع، حيث تستثمر كل من الصين وأمريكا في تقنيات التخفي، وأجهزة الاستشعار المتطورة، وأنظمة الصواريخ بعيدة المدى.
ويرى خبراء أن أي تفوق صيني في هذا المجال قد يغير قواعد اللعبة في آسيا، في حين أن الحفاظ على التفوق الأميركي يتطلب استثمارات ضخمة واستراتيجيات مبتكرة.
في ضوء التطورات الراهنة، يبدو أن سباق الغواصات بين الصين والولايات المتحدة سيظل أحد أبرز ملامح المنافسة الاستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.
فبينما تسعى بكين لفرض نفسها كقوة بحرية عظمى في محيطها الإقليمي، تعمل واشنطن على حماية نفوذها التقليدي في المنطقة عبر التحالفات والاستثمار في التكنولوجيا العسكرية.
وبين طموح الصين وصعوبات الولايات المتحدة، يبقى بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان ساحة اختبار حقيقية لهذا التنافس المتصاعد، الذي قد يرسم ملامح النظام الدولي القادم.
ميزان القوى تحت البحر
يرى خبراء عسكريون أن سباق الغواصات بين الصين والولايات المتحدة ليس مجرد منافسة على العدد، بل هو صراع استراتيجي على النفوذ البحري.
ويقول المحلل البحري الأمريكي جيمس هاربر إن “الغواصات الصينية من طراز Type 095 قفزة نوعية، لأنها تقلص فجوة التكنولوجيا مع الولايات المتحدة، خصوصًا في مجال التخفي الصوتي، وهو ما قد يجعل اكتشافها أكثر صعوبة”.
من جانبه، يعتبر الخبير الآسيوي في الشؤون البحرية ليو تشانغ أن “استراتيجية الصين تقوم على استخدام مزيج من الغواصات النووية والهجومية التقليدية، ما يمنحها مرونة في العمليات سواء في أعماق المحيط أو بالقرب من السواحل”.
ويضيف أن هذا التنوع “قد يضع ضغوطًا كبيرة على الولايات المتحدة إذا اندلع صراع حول تايوان”.
أما الجنرال المتقاعد جوناثان مايرز، فيحذر من أن “تأخر الولايات المتحدة في توسيع أسطولها البحري يفتح نافذة زمنية خطيرة للصين قد تستغلها لفرض واقع جديد في بحر الصين الجنوبي”.
لكنه في الوقت ذاته يشير إلى أن “التحالفات الأمريكية، خاصة عبر أوكوس، لا تزال قادرة على خلق توازن ردع طويل الأمد”.