“مُحمَّد بن القاسم الثقفي”.. فاتح بلاد السِّند والهند
– مات مُحمَّد بن القاسم الثقفي، في السجن، من شدّة التعذيب، لمجرد أن الخليفة “سليمان بن عبد الملك” كان عدوًّا للحجّاج الثقفي، فانتقم الخليفة سليمان من الحجّاج، في شخص “محمد بن القاسم” الذي مات وعمره 23 عاما، بعد أن فتح بلاد الهند والسند (السِّند = باكستان + شمال شبه القارة الهنديّة، وحول نهر السِّند)، وعمره 17 عاما، وخرجت الجموع الحاشدة لتوديعه، بل إن البوذيين كانوا يذرفون الدموع عليه لشدة عدله وحُسن معاملته لهم.. وصوّروه بالحَصَى على جدران بيوتهم.
محمد بن القاسم بن محمد بن الحَكم بن أبي عقيل بن مسعود بن عامر الثقفي
يجتمع هو والحجّاج بن يوسف في الحَكم بن أبي عقيل (ابن عم والده)
– الميلاد: 31 ديسمبر 691م، الطائف.
– الوفاة: 18 يوليو 715م.
– وُلِدَ في عام 72هـ، بمدينة الطائف، في أُسرة معروفة، فقد كان جدّه محمد بن الحكم من كبار ثقيف، وفي عام 75هـ، عُيّنَ الحجّاج بن يوسف الثقفي واليًا عامًّا على العراق والولايات الشرقية التابعة للدولة الأموية في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان، فعيَّنَ الحَجّاجُ والده القاسم واليًا على مدينة البصرة، فانتقل الطفل مُحمد بن القاسم إلى البصرة، ونشأ بين الأمراء والقادة: فَـوالِده أمير، وابن عم أبيه الحَجّاج أمير، وأكثر بني عقيل من ثقيف قوم الحَجّاج أمراء وقادة، وكان لذلك الأثر الكبير في شخصية محمد الذي أصبح قائدا وعمره 17 عاما
– لم يكن محمد بن القاسم الثقفي يشبه الطاغية الحَجّاج الثقفي في أي شيء، فقد كان زاهدا عادلا، متواضعا، شهدَ له العجَم قبل العرب..
– عندما استولى قراصنة السِّند، في عام 90هـ، على 18 سفينة بكل ما فيها من الهدايا والبحّارة والنساء المسلمات، اللائي عمل آباؤهن بالتجارة وماتوا في سرنديب وسيلان،
وحاولت الدولة الأموية استرداد النساء والبحّارة بالطرائق السلمية، ولكنها فشلت، فأعَدَّ الأمويون جيشًا تلو الآخر، ولكن تلك الجيوش انهزمت، وقُتلَ قادتها، وهنا رشّح الحَجّاج للخليفة الوليد بن عبد الملك، شابا عبقريا (محمد بن القاسم الثقفي) ليقود جيش الفتح؛ لِما رآه فيه من حزم وبسالة وفدائية، فجهّزه بكل ما يحتاج إليه في ميدان القتال من عتاد، وتحرّكَ محمد بن القاسم الثقفي بجيشه واجتاز حدود إيران، عام 90هـ، إلى الهند، وبرزت مواهب محمد بن القاسم الفذّة في القيادة وإدارة المعارك، فحفر الخنادق، ورفع الرايات، والأعلام، ونصب المجانيق، ومن بينها منجنيق يقال له: “العروس” كان يقوم بتشغيله خمسمائة، تُقذف منه الصخور إلى داخل الحصون فيدكّها دكًّا.
– نجح الشاب الصغير في فتح بلاد السِّند (باكستان + البنجاب) وما حولها، خلال عامين من المعارك، وقتلَ ملك السِّند في الميدان، وسقطت العاصمة السندية في أيدي المسلمين، ثم فتحَ مدينة الكيرج (مومباي)، ونجح في رفع راية الإسلام على أرض بلاد السِّند كلها (باكستان + البنجاب)
– واصل الشاب الصغير فتوحاته، وتوغّلَ في أرض الهند، وواصل انتصاراته، ونجح في السيطرة على مساحات شاسعة جدا من القارة الهندية، وفي أثناء ذلك، مات الوليد بن عبد الملك، وتولّى الخلافة سليمان بن عبد الملك الذي كان يبغض الحَجّاج بن يوسف وأهله وقادته، فأمر الخليفة بعزل محمد بن القاسم الثقفي وعَيّنَ مكانه “يزيد بن أبي كبشة”.
– لم يكتفِ سليمان بعزل محمد بن القاسم، بل أمر بالقبض عليه، وحاول بعضُ أنصار محمد بن القاسم إغراءَه بإعلان العصيان والتفرّد بحكم بلاد السِّند البعيدة عن مركز الخلافة، لكنه رفض.
– أرسلَ والي العراق: صالح بن عبد الرحمن “محمد بن القاسم الثقفي” مقيّدًا بالسلاسل إلى سجن مدينة واسط العراقية، وهناك تم تعذيبه بقسوة لمدة شهور، لمجرد أنه من عائلة الحَجّاج،، حتى مات من شدة التعذيب، عام 95هـ، (715م) وعمره 23 عاما،
– ما زال ضريحه بمدينة النعمانية في محافظة واسط بالعراق .
– مات القائد الفاتح في السجن مظلومًا (شهيدًا بإذن الله)، بعد سلسلة من الاتهامات الظالمة الجاهزة من السلاطين والحُكام في كل زمانٍ ومكانٍ لخصومهم.
ولذا يقول الدكتور طارق السويدان عن الفرق بين الاختلاف والخلاف: الاختلاف سُنّة إلهية: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ…) (سورة هود)
أما الخلاف فجريمةٌ بشريّة
قال الإمام الراغب الأصفهاني، رحمه اللهُ (تُوُفيَ في 1108م) في كتابه «مفردات القرآن»:
(الاختلاف: هو أن يكون الطريق مختلفًا والمقصود واحدًا، والخلاف: هو أن يكون كلاهما مختلفًا.
والاختلاف: ما يستند إلى دليل.
والخلاف: ما لا يستند إلى دليل.
والاختلاف: من آثار الرحمة..، والخلاف: من آثار البدعة)