الخميس يوليو 4, 2024
محمد بوضياف سير وشخصيات

“مُحمّد بُوضياف”.. فارسُ العربِ المَنْسِي والشريف الذي اغتالته الخيانة

1- لا أدري لماذا يتناسى كُـتّابُ العربِ، ومؤرّخو العصر، اسم الشهيد (بإذن الله) مُحمّد بُوضياف، الرئيس الجزائري الأسبق، عندما يكتبون عن أحرار الأمة وثوارها الكبار، ولا أدري لماذا أرض الحرية “الجزائر” تحديدًا، يتناساها مؤرخو وصحفيّو العرب، ويتعمدون إسقاطها من (كتاب الحرية) و(فيلق الثورة)، رغم أنها سبقت كل العرب في التضحية والثورة، وقدّمت بمفردها أضعاف أضعاف ما قدمته أمة العرب كلها، في العصر الحديث، من شهداء وأحرار..

2- في مثل هذا اليوم 29 يونيو 1992م: الجيش الجزائري يغتال على الهواء مباشرةً، وأمام الكاميرات والشاشات، الرئيس الجزائري مُحمّد بُوضياف (1919م – 1992م) أثناء احتفال رسمي بأحد المسارح في مدينة عنّابة، وذلك بعد (166 يوم) من تولّيه الرئاسة، عن طريق حارسه الشخصي، ملازم أول “مبارك بُومعرافي”

3- الرئيس الرابع للدولة الجزائرية، وكان يُلقّب بـ (سي الطيّب) وهو اللقب الذي أُطلِقَ عليه خلال الثورة الجزائرية..

4- آخر كلمة نطق بها هي كلمة: الإسلام، حسب ما ظهرَ في شريط اغتياله.. كان آخر ما قاله: (إن الأمم التي سبقتنا قد سبقتنا بالعلم والإسلام، وبعد نطقه كلمة الإسلام، أتته رصاصة الموت)

5- من أشهر أقواله التي تسببت في اغتياله:

– لا يوجد في كل رجال السياسة في الجزائر أكثر من 70 واحد شريف.

– يجب القضاء على الفساد في مؤسسة القوات المسلحة الجزائرية.

– يجب إبعاد الكثير من جنرالات الجيش عن المؤسسة العسكرية لفسادهم وسيطرتهم على اقتصاد الجزائر.

6- قال لزوجته بعد استقبال العسكر له بحفاوة بالغة: حفاوتهم لن تمنعهم من اغتيالي، فلا ثقة لي بهؤلاء.

فقالت الزوجة له: وهل أنت أتيت بنيّة الانتحار؟

فقال: إنه الواجب.. كل أملي أن يمهلوني بعض الوقت. (يقصد أن يصلح شيئا من فسادهم قبل أن يغتالوه).

7- قال لمحاميه وصديقه الشخصي: إنني أهادن القضاة لبعض الوقت حتى أتخلص منهم بعد استقرار الدولة.. فقد كان يرى أن مؤسسة القضاء كلها فاسدة، ولكن التحلص منهم يحتاج بعض الوقت.

8- كان للمخابرات الفرنسية بالتحالف مع مخابرات الجزائر الموالية للجيش، اليد الطُولَى في التخلص منه؛ لمحاولته هدم مؤسسة الفساد، وجعل الجزائر بلدا مستقلا: سياسيا واقتصاديا عن فرنسا.

9- ما زال ابنه “ناصر بوضياف” يطالب بإعادة التحقيق في قضية قتل والده، وكتب على صفحته في فيسبوك: (أرفض تصديق اتهام الضابط السابق بومعرافي الذي يواجه منذ سنوات عقوبة المؤبّد، خاصةً وأن هذا الأخير رفض الحديث خلال محاكمة دامت أياما، ولم تُكشف الحقيقة، وفي اللحظة الـتي كـان القـاتل الحقـيقـي يـفـرغ رشـاشـه عـلى ظـهـر أبي، فإن بُومعـرافـي كان مـرتـديا بدلة بُنـيـّة ويتـشاجـر مع صحفيـة من أجـل مـقـعـد في القاعة)

خطوات للوراء

(إثر عودته إلى الجزائر انخرط بوضياف في صفوف الثورة، وكان عضواً من اللجنة الثورية التي فجرتها عام 1954م، كما كان ضمن القادة الذين اختطفتهم المخابرات الفرنسية على متن الطائرة التي كانت متوجهة من الرباط إلى تونس.

تقلد بوضياف منصب نائب رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة عام 1961م، وكان لا يزال معتقلاً، وبعد استقلال الجزائر كان موقفه مخالفاً لأغلب قادة الثورة، اعتبر أن دور “جبهة التحرير” انتهى مع جلاء المستعمر، ونادى بالتعددية الحزبية وتأسيس جمهورية ديمقراطية.

بعد 27 سنة في المنفى بوضياف يعود في 16 يناير 1992م، ليرأس الدولة ويُغتال لاحقاً

نشبت خلافات حادة بين بوضياف وأحمد بن بلة فور استقلال الجزائر، وتطور الأمر إلى حد خروج بوضياف من جبهة التحرير في سبتمبر 1962م، وتأسيس حزب معارض سماه “حزب الثورة الاشتراكية” في وقت كان فيه المكتب السياسي للجبهة يعكف على اختيار أول جمعية تمثيلية للجزائر المستقلة.

وفي عام 1963م، اعتقل بوضياف وسُجن أسابيع دون علم ذويه، وبعد أن نجح في تسريب رسالة إلى وسائل الإعلام الدولية روى فيها معاناته في السجن اقترح عليه النظام اللجوء إلى سويسرا لكنه رفض وأفرج عنه خريف ذلك العام، لكن سرعان ما أُدين في قضية أخرى تستهدف زعزعة النظام وحُكم عليه بالإعدام.

خرج من الجزائر إلى أوروبا قبل أن يستقر في المغرب حيث استمر في نشاطه السياسي إلى حين وفاة الرئيس السابق هواري بومدين أواخر 1978، فأعلن حلّ حزبه والتفرغ للنشاط التجاري حيث كان يُدير مقاولة بمدينة القنيطرة بضواحي العاصمة الرباط.

وخلال إقامته في المنفى، أصدر بوضياف كتابا بعنوان “إلى أين تضمي الجزائر؟”، ضمنه رؤيته السياسية لبناء الجزائر ومركزية التعددية السياسية في البناء الوطني.

مكث بوضياف في منفاه المغربي 28 سنة ثم عاد إلى بلاده في مطلع 1992 في أتون أزمة سياسية فجّرها إلغاءُ الجيش نتائج أول انتخابات تشريعية تعددية بعد فوز كاسح للجبهة الإسلامية للإنقاذ في شوطها الأول الذي جرى 26 ديسمبر 1991م، ودخلت البلاد جراء ذلك في ما عُرف بـ”العشرية الحمراء”.

خلف بوضياف الرئيسَ الشاذلي بن جديد وأدى اليمين في 16 يناير 1992م، وشنَّ خلال فترة رئاسته القصيرة هجوما إعلاميا شديدا على الفساد، وتعهد بجعل القضاء عليه أهم ركائز برنامجه السياسي)

Please follow and like us:
يسري الخطيب
- شاعر وباحث ومترجم - مسؤول أقسام: الثقافة، وسير وشخصيات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب