ناصر صلاح يكتب: وقفات مع الآيات (٢)
(ما يخطه قلمي ليس تفسيرا فلستُ من أهله، وإنما هي وقفات أديب عند بعض الصور والمعاني والكلمات)
المتدبر لقصة فرعون مع سيدنا موسى (عليه وعلى نبينا السلام) فى سورة الأعراف يجد أنه وقع فى أربعة مآزق مهلكة لم يزده كل مأزق إلا عناداً وكفرا رغم التحذير والتنبيه والآيات الواضحات،
وسيجد الأهم ..أن فرعون لا حول له ولا قوة إلا طموحه الغبي، بينما من يحرّكه وطموحه لمصالحهم الشخصية هم الملأ من قومه (عِلية القوم أصحاب المال والجاه والمناصب) وهم من وصلوا به لقمة غبائه وعناده ليهبطوا به إلى قاع انكساره وفضيحتهم .. تعالوا نرى
المأزق الأول:
(ثُمَّ بَعَثْنَا مِنۢ بَعْدِهِم مُّوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَإِيْهِ) لم يقل عز وجل إلى آل فرعون، وإنما بدأ به لأنه لو أطاع واتبع لتبعه قومه، لكن ماذا حدث؟ (فظلموا بها) جاء بالجمع لا بالعطف، لم يقل فظلم فرعون وملإيه بها، لماذا؟ ليبين كيف كان لهم الدور الأكبر فى طغيانه ربما لو تدبروا قليلا لاهتدوا.
ويأتى المأزق الأول فعندما أظهر موسى آياته أول من نطق كان هؤلاء الملآ (قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ. يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ) وكانت هنا الفضيحه والهزيمة الأولى لما أشاروا عليه (أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ. يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ) حولوها لصراع بين الحق والباطل على رأس الأشهاد، وبالتالي بدأت وسائل الإعلام والإعلان تحشد وتجيّش وتلعب بالعقول
وكلنا يعلم ماذا حدث: السحرة سحروا أعين الناس لكن الحق ليس بسحر، فانتصر، وسجد السحرة وكانت الفضيحة لفرعون وملإيه فهل اتعظوا ورجعوا.
اقرأ أيضًا:
ناصر صلاح يكتب: وقفات مع الآيات (1) |
المأزق الثاني:
والسبب أيضا الملأ من قومه (وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) فأخذه كِبره وعناده لفضيحة أكبر: قتل الأبناء واستحى النساء، فكان العقاب الثاني بعد أن آمن السحرة بموسى وهو أن أخذ الله آل فرعون بالسنين فهل اتعظوا؟!
المأزق الثالث:
(فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ) فظلوا على عنادهم واتهامهم له، فعاقبهم الله العقاب الثالث (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ ..) فاستكبروا وظلوا على عماهم، ولما وقع عليهم الرجز طلبوا من موسى الدعاء لهم على أن يذهب بنى إسرائيل معه.
المأزق الرابع ومشهد النهاية:
(فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون ) فكانت الفضيحة الرابعة المدوبة في تاريخ البشرية والعقاب الرباني الانتقامي من هؤلاء الفسده الفساق الفجار الظلمة الكفرة (فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَٰهُمْ فِي ٱلْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَٰفِلِينَ) ذهبوا إلى حتوفهم بأقدامهم في الوقت الذي بلغ الكبر مداه والقوة قوتها
* تأملوا كيف كان الملأ من قوم فرعون هم من ألبسوه ثوب الفضائح، وتأملوا كيف عبّر سبحانه وتعالى بالجمع دائما بدلاً من المفرد