ناصر صلاح يكتب: وقفات مع الآيات (19)
ما يخطّه قلمي ليس تفسيرًا، فلستُ من أهلِه، وإنما هي وقفات أديبٍ عند بعض المعاني والكلمات.
{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
{النور: 11}
تأملوا كلمة (إفك) جيدا بعيدا عن الحادثة المشهورة، فكلمة إفك معناها الضلال والافتراء والكذب والصدّ عن الحق والدفع للباطل..
وإفك في اللغة أيضا هي نصف الفك، وكأنه تعالى أراد أن يقول لنا: إن أصحاب الإفك في كل زمانٍ هم أصحاب نصف الشيء.. نصف الحقيقة ويكملونها بزيفهم نصف الصنيع الذي يضر ولا ينفع، هم النقصاء دائما..
تأملوا الآية واسقطوها على الواقع وسينشرح صدركم.
ومن العجيب أنه في هذا الخضم من الاضطراب والتوتر بين الصحابة، حتى أن بعضهم وقع في فخ تصديق ما قيل، والبعض أراد أن يثبت لرسول الله أنه لا يهمه سواه، فنصحه بالفرقة عن السيدة عائشة (رضي الله عنها)، وأسلوبه (صلى الله عليه وسلم) تغيرَ مع أم المؤمنين ليس شكا فيها قَط، وإنما أثر الموقف ونتائجه.. لذلك قال تعالى ليطمئن الجميع: (لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ).
في هذا الجو المكفهر يخرج من بينهم أسد من أسود الإسلام ليقول: (يا رسول الله إنها عائشة من زَوَّجها اللهُ لك من فوق سبع سماوات، إنها بنت الصّدِّيق، والله ما أراه إلا حديث الإفك)
وسبحان الله، تنزل الآية بلفظة سعد بن معاذ (الإفك) وتنزل في سورة النور لتكن البراءة واضحة مضاءة من اسم سورتها.
إن «سعد بن معاذ» أمره عجيب، فقد كانت مدة إسلامه سبع سنوات: من سن 31 إلى 37، لكن مواقفه في دعم الرسالة والرسول؛ تُكتَب بماء الذهب..
رضي اللهُ عنه وأرضاه.