يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يواجه اليوم معضلة جديدة، لا ترتبط فقط بساحات المعارك أو التوازنات الإقليمية، بل تمتد إلى جيل الشباب حول العالم، الذي بات يرى في سياساته انعكاسًا لأزمة أخلاقية وإنسانية متصاعدة.
ففي مقابلة أجراها مع أحد البرامج البريطانية على منصة “يوتيوب”، اعترف نتنياهو بوجود أزمة حقيقية في كسب تعاطف الجيل الجديد المعروف بـ”جيل زد” (مواليد 1997 – 2012)، مؤكداً أن “هناك عملاً يجب القيام به مع هذا الجيل في أنحاء الغرب”. لكن نتنياهو حاول تفسير هذه المعارضة المتنامية من خلال ما وصفه بـ”حملة ممنهجة ضد الغرب”، متحدثًا عن “مؤامرة” تستهدف إسرائيل والدول الغربية، من دون أن يقدم أدلة ملموسة تدعم روايته.
الدراسة التي نشرها معهد “غالوب” الأميركي نهاية يوليو الماضي جاءت لتكشف حجم التحدي. فبحسب الأرقام، لم تتجاوز نسبة الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عامًا ممن يحملون نظرة إيجابية تجاه نتنياهو 6% فقط، فيما أيّد 9% فقط الحملة العسكرية الإسرائيلية المستمرة في غزة. هذه الأرقام تعكس أزمة عميقة في صورة إسرائيل على الصعيد الدولي، لا سيما في عيون جيل يشكل قوة رأي عام مؤثرة في الغرب.
وتترجم هذه المؤشرات على الأرض في صورة آلاف الشباب الذين يخرجون منذ نحو عامين في تظاهرات حاشدة بالعواصم الغربية الكبرى مثل لندن وباريس وبرلين وواشنطن، رافعين شعارات مؤيدة للفلسطينيين ومنددة بالسياسات الإسرائيلية.
لكن التحدي الداخلي والخارجي لا يقتصر على الجبهة الإعلامية أو الرأي العام العالمي، بل يتزامن مع تصعيد عسكري واسع. ففي سياق ميداني، أمر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس باستدعاء 60 ألف جندي احتياط، في خطوة فسّرها مراقبون بأنها مقدمة لعملية عسكرية أكبر تهدف إلى السيطرة على مدينة غزة، في ظل استمرار المداولات حول مقترح هدنة لإنهاء الحرب التي تدخل شهرها الثالث والعشرين.
الحصيلة الإنسانية تبقى الأكثر قسوة في المشهد. فمنذ هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023 الذي أسفر عن مقتل 1219 شخصًا معظمهم مدنيون، ردّت إسرائيل بعمليات عسكرية أودت بحياة أكثر من 62 ألف شخص في قطاع غزة، غالبيتهم من المدنيين، بحسب وزارة الصحة في غزة. الأمم المتحدة وصفت هذه الأرقام بأنها “موثوقة”، في حين تواصل المنظمات الإنسانية التحذير من انهيار كامل للقطاع صحيًا ومعيشيًا.
سياسيًا، لم يخفِ نتنياهو امتنانه للرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض مطلع العام الجاري، واصفًا إياه بـ”الصديق الاستثنائي والقائد الاستثنائي”. وأشاد بما اعتبره “صلابة الموقف الأميركي”، قائلاً: “نحن محظوظون جدًا بوجود زعيم في الولايات المتحدة لا يتصرف مثل الزعماء الأوروبيين ولا يرضخ للضغوط”، في إشارة واضحة إلى خطوات أوروبية مرتقبة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو ما تراه إسرائيل تهديدًا مباشرًا لسياستها الإقليمية.
بينما يحاول نتنياهو إعادة صياغة صورته أمام العالم، يبدو أن المعركة الأهم التي يواجهها لم تعد مقتصرة على ساحات غزة أو أروقة السياسة الدولية، بل تتجسد في فقدان الدعم بين جيل شاب في الغرب، قد يكون له الكلمة العليا في رسم السياسات المستقبلية لدولهم، وهو ما ينذر بعزلة إسرائيلية متزايدة في المدى المتوسط والبعيد.