نحنُ بخيرٍ يا عم .. قصـة: د. ياســـر عبد التـواب

نحنا بخير يا عم .. والحمد لله كلنا بخير

نعم ؟

والدي نائم الآن

رددت على مكالمتك من هاتفه لأني ممدد بجواره

نعم هو بخير

بخير إن شاء الله تعالى

**

وكيف حالك أنت يا عم ؟

وكيف الأسرة كلها

اشتقنا لكم..

**

الصوت يأتي مشوّشا

الشبكة ضعيفة ..تعرف الأحداث !

كح كح كح

معذرة

هو غبار متطاير

نعم ؟

صوتي متغيّر بعض الشيء ؟

بطيء بعض الشيء ؟

ربما يا عم ..لكن نحن بخير ..صدقني بخير !

**

كيف أسرتك وكيف أبناء عمي

التحق محمود بكلية الطب عندكم ؟

ما شاء الله وفقه الله

كانت الدراسة منتظمة..قبل أن يهدموا بعض مباني الجامعة

كح كح كح

لكننا سنعود إليها يا عم.. حتما سنعود

**

لا تقلق علينا ..معنا ربنا والحمد لله

بالطبع نعاني ..لكننا نعيش بعزّة يا عم

**

صوت الفحت هذا ؟

هو قريب ..لعل الفرج يأتي معه

لكن خبّرني عنك يا عم من فترة لا تتصل.. وأبناؤك يغيبون عنا مددا طويلة ولا يتصلون

كح كح كح

مشاغلكم كثيرة يا عم ؟… أعانكم الله عليها !

**

نعم بالطبع أتذكرك وإن لم أكن رأيتك من خمس سنوات تقريبا

حقا لم نرك إلا قليلا ..لكنها الظروف وربما تجمعنا اللقيا قريبا

نعم ؟ نسافر ؟

كيف يا عم ونحن محاصرون برا وجوا وبحرا

حتى من إخواننا !

كح كح كح

نشكرك على عرضك بالسفر وعلى مساعداتك لنا

كثيرا ما يحدثنا أبي عنك وعن عروضك

عموما هو كان يبلغنا سلامك وسؤالك

نعم الشبكة ضعيفة جدا

حتى شحن الهاتف يكاد ينتهي

لا أقدر على الحركة من مكاني

عموما الأحوال متشابهة في كل الاتجاهات

كح كح

إننا يا عم نحب غزة ولا نريد مغادرتها

ولو تركناها فمن يقف للعدو ومن يدافع عن الأقصى

سيلتهموننا جميعا ..وستضيع فلسطين كلها

**

نعم أخي خالد مع المقاومة..كلنا يا عم مع المقاومة

إن لم نقاوم أكلونا كالذئاب ورموا ببقايانا للغربان

لن يظل “إشي”

طبعا نخسر كثيرا

لكننا نوجعهم أيضا.. نمطرهم النار

ونغيظهم ونخيفهم.. ونجبرهم على التنازل بما وفقنا الله به من قوة

كح كح

**

تقول نهدأ قليلا ؟

نحن مضطرون يا عم

هم الذين يبدأوننا ويريدون فرض واقع جديد في كل مرة..

يختلفون مع القيادة في الضفة ولا يرضون عن اتفاقات الوحدة

فيضربون غزة

يُختطف لهم شخص في الخليل

فيضربون غزة !

ماذا تريدنا أن نفعل ؟

كح كح

هم الذين يقتلون أطفالنا ويهدمون بيوتنا على رؤوسنا

ولا يتحرك لنا أحد

لا صديق ولا عدو..

ولا شقيق ولا قريب !

الجميع يروننا نقتل ونُسوّى بالأرض ولا يتحركون

فليس أمامنا إلا خيار المقاومة وقد يسر الله لنا بسواعد أهلنا وبتعاوننا جميعا ما نرد به عنا ؛ فنوجعهم كما يوجعونا

كح كح

صحيح أن قوتنا غير متكافئة ، لكننا نؤلمهم ألما كبيرا رغم كل الجراح والأذى والموت الذي نعاني منه

ذلك خير من أن نكون لقما سائغة يلتهمونها هنيئا بلا غصص

سنكون شوكا ونارا ودمارا عليهم..

حتى نرى حياتنا بكرامة وعزة ..

وإن لم يكن من الموت بد ، فمن العار أن تموت جبانا

**

حقا يا عم لم أبلغ العشرين

لا ليست حكمة.. إنه الواقع الذي يفرزه الألم

كاللؤلوة تماما تخرج من رحم محارة غزاها غاز فحصرته في أحشائها وخنقته بتكلسها عليه

ثم نمت من ذلك اللآليء

هكذا الدنيا عناء ودرر تخرج من المعاناة .. والراحة في دار الخلد يا عم

كح كح

صوتي واهن أليس كذلك ؟

صوت الفحت يزداد ..لعل فيه الفرج

لا تسمع ما أقول يا عم.. ولا تفهم مرادي ؟

لعلي أشرح لك لاحقا..

لكن نحن

كح كح

بخير

تقول صوتي غير واضح

نعم يا عم فأنا أحدثك من تحت أنقاض بيتنا .. أعذرني يا عم

نحن بخير والشهداء من عند ربهم يرزقون .. اللهم إني أحتسب عندك نفسي وأهلي

أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله

**

الهاتف يسقط من يده ويغيب عن الوعي

صوت الفحت يقترب

الله أكبر .. الله أكبر

وجدنا أحدهم هنا .. نعم هو حي لا يزال ينبض

وبجواره شهيد لعله أبوه

 

دعنا نخرجه ونواصل لعلنا نجد أحياء آخرين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights