نشأة الزَّجَل والموشّحات
يقول ابن خلدون عن نشأة فنِّ الموشحات: “وأمَّا أهل الأَنْدَلُس، فلما كثُر الشعر في قطرهم, وتهذَّبت مناحيه وفنونه وبلغ التنميق فيه الغاية، استحدث المتأخرون منهم فنًا يسمونه بالموشح ينظمونه أسماطًا وأغصانًا يكثرون منها ومن أعاريضها المختلفة, ويسمون المتعدد منها بيتًا واحدًا, ويلتزمون عند قوافي تلك الأغصان, وأوزانها متتالية فيما بعد إلى آخر القطعة، وأكثر ما تنتهي عندهم إلى سبعة أبيات، ويشمل كلُّ بيت على أغصان عددها بحسب الأغراض والمذاهب, وينسبون فيها ويمدحون كما يفعل في القصائد, وتجاوزوا في ذلك إلى الغاية واستطرفه النَّاس جملة الخاصة والكافة لسهولة تناوله وقرب طريقه”.
نشأة الزجل في دولة المرابطين:
وأما نشأة الزجل، فقال ابن خلدون عنه: “إنه لما شاع فنُّ التوشيح في الأندلس، وأخذ به الجمهور لسلاسته وتنميق كلامه وترصيع أجزائه، نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله، ونظموا في طريقته بلغتهم الحضرية من غير أن يلتزموا فيها إعرابًا، واستحدثوا فنًا سموه بالزجل، والتزموا النَّظْم فيه على مناحيهم إلى هذا العهد، فجاءوا فيه بالغرائب, واتسع فيه للبلاغة مجال بحسب لغتهم المستعجمة،
ويعتبر أبو بكر بن قزمان القرطبي أول من ابتكر الزجل” وهو يعتبر إمام الزجالين
أما أشهر الأدباء المغاربة الأصلاء، فهم: ابن زنباغ – ابن القابلة السبتى – يحيى بن الزيتونى القاسي.
ومن أشهر أشعار ابن زنباغ، ما قاله في وصف الربيع:
أبدت لنا الأيامُ زهرة طيبها
وتسربلت بنضيرها وقشيبها
واهتز عطف الأرضِ بعد خشوعها
وبدت بها النعماءُ بعد شحوبها
فعجبتُ للأزهار كيف تضاحكت
ببكائها وتباشرت بقطوبها
أما ابن القابلة السبتى أبو محمد عبد الله بن هارون فقد ذكره ابن دحية في كتابه: المطرب من أشعار المغرب، ومن أشعاره:
ووجه غزالٍ راق حسنا أديمه
يرى الصب فيه وجهه حين يبصرُ
تعرضُ لي عند اللقاء به رشا
تكاد الحميا من محياه تقطرُ
ولذا نؤكد أن العبقرية الشعرية المتوهجة كانت في الأندلس، أما في المغرب، فقد أصابها النضوب، ربما لأن بداية تأسيس الدولة كان من هناك، وكانت علوم الفقه والدين تحتل المركز الأول..حتى أن الكتاب الشهير (الأحياء) لأبي حامد الغزالي، عندما وصل إلى المغرب، أصدر الفقهاء قرارا حاسما بحظر تداوله، وهو ما جعل الدولة تقوم بإحراق جميع نُسخ الكتاب.
– أفرز العصر المرابطي العديد من الأدباء، من بينهم القاضي عياض السبتي، مفخرة المغرب ورائد الحركة الفقهية، كما برز أبو بكر بن العربي القاضي الفقيه والرحالة الأديب الإشبيلي، الذي ألف في الفقه والأصول وبرع في الأدب والشعر. والتاريخ، ومن مؤلفاته العواصم من القواصم، ويعتبر رائد من روَّاد أدب الرحلات،
– كان للمرأة الأندلسية في عهد المرابطين دور كبير في الحياة الاجتماعية والأدبية بسبب تدخلها في شؤون الحكم، حيث كانت لهن مجالس أدب، وقد لمعت في هذا المجال حواء بنت إبراهيم بن تافلويت وأختها زينب،
– وهكذا لعب الأدب دورا كبيرا في دولة المرابطين، ويكفي أنهم أول من نجح في تعريب دول المغرب العربي، واستطاعوا وضع العربية قبل الأمازيغية.. وما زالت بعض القبائل الأفريقية تتواث العربية باقتدار بفضل دولة المرابطين..
توهّج الشعر في عصرهم، وظهر الزجل لأول مرة في التاريخ، وانتشرت الموشحات وسادت وانتقلت لكل بقاع العرب مع الزجل..