أقلام حرة

نظام مير محمدي يكتب: في الذكرى السنوية الأولى لجمعة زاهدان الدامية

في أعقاب الدعوات للاحتجاج إثر مقتل الشابة الكردية مهسا أميني 16 سبتمبر 2022، فضلاً عن اغتصاب فتاة بلوشية تبلغ من العمر 15 عاماً من قبل قائد شرطة ميناء تشابهار قرب بحر عمان جنوب محافظة سيستان وبلوشستان، خرجت مظاهرة في مدينة زاهدان يوم الجمعة 30 سبتمبر 2022، وبعد صلاة الجمعة، انتقلت مجموعة من المصلين إلى أحد مراكز شرطة زاهدان وتجمعوا هناك ورددوا شعارات مناهضة للحكومة، وقام بعض المتظاهرين الغاضبين بإلقاء الحجارة على مركز الشرطة، لكن ضباط وحدة الشرطة الخاصة المتواجدين داخل مركز الشرطة أطلقوا الرصاص الحي على المتظاهرين.

ثم بدأ الضباط الذين كانوا يرتدون الزي الرسمي، والذين كانوا متمركزين بالفعل على أسطح المباني المحيطة بمسجد زاهدان، بإطلاق النار على المصلين داخل المسجد، وخلال أقل من ساعة قتلوا العديد من الأشخاص وأصابوا الكثير، وأدى انتشار هذه الأنباء إلى حدوث اشتباكات في المدينة قُتل على أثرها عدد من الأشخاص، وخلال هذه الاشتباكات، قامت القوات الأمنية بإضرام النار في عدد من المحلات التجارية والأروقة العائدة لأهالي المدينة، ووصف مولوي عبد الحميد إمام وخطيب الجمعة السني بمسجد مكي زاهدان، هذه الحادثة بـ«جمعة زاهدان الدموية»، وطالب مراراً بالتحقيق فيها ومحاسبة مرتكبيها.

ويُعد علي خامنئي القائد العام للقوات العسكرية التابعة للنظام هو المسؤول عن هذه الجريمة.

واتخذت منظمة العفو الدولية موقفاً إزاء جمعة زاهدان الدامية أيضاً، وقالت في بيان لها: «إن قوات الأمن في محافظة سيستان وبلوشستان استخدمت الرصاص الحربي بهدف قتل المتظاهرين» ، كما أعلنت هذه المنظمة الدولية لحقوق الإنسان:«ان قوات الأمن التابعة للنظام الإيراني، استخدمت النمط القاتل في قمع احتجاجات شعب بلوشستان، واستخدمت الذخيرة القاتلة والرصاص الحربي واستهدفت الجزء العلوي من أجساد المتظاهرين كالصدر والرأس بقصد قتلهم»، ودعت منظمة العفو الدولية في بيانها إلى «تحرك عالمي فوري لوقف قتل المتظاهرين في سيستان وبلوشستان».

خامنئي، الذي يؤيد دائماً صراحة أو ضمناً قتل الشعب الإيراني على أيدي العملاء والمرتزقة بالملابس المدنية، ويطلق على المتظاهرين اسم العملاء الأجانب الذين يتم تشجيعهم من قبل أعداء النظام، أرسل وفداً إلى هذه المدينة لنقل «تحياته»، على خلفية هذه المجزرة، بعد 40 يوماً من جمعة زاهدان الدامية، وترأس هذا الوفد محمد جواد حاج علي أكبري، رئيس مجلس رسم السياسات لأئمة الجمعة وأحد خطباء الجمعة المؤقتين في طهران، ووصل إلى زاهدان مساء يوم السبت 12  نوفمبر 2022.

وفي بيان صدر بعد ثلاثة أيام، وصف حاج علي أكبري، منتقدي الإجراءات القمعية التي اتخذتها الحكومة بأنهم «ذوو لسان طويل»، من ناحية أخرى، احتج مولوي عبد الحميد على نهج هذا الوفد في رسالة على موقع X (تويتر سابقاً) ، وقال إنه بدلا من الاعتذار والتهدئة، لجأ هذا الوفد إلى المزيد من التهديد والترهيب، ووفقا للملف الصوتي المسرب من اجتماع مجلس ائتلاف قوى الثورة الإسلامية، برئاسة غلام علي حداد عادل (المقرب من بيت خامنئي)، إعترف رضا داوري أمين سر هذا المجلس، بـ«إن القوات الأمنية التابعة للنظام ارتكبت خطأً جسيماَ للغاية في قتل أهالي زاهدان خلال (الجمعة الدامية)».

ذكرى جمعة زاهدان الدامية

رافق ذكرى جمعة زاهدان الدموية في 29 سبتمبر 2023 انتشار كبير للقوات الخاصة وحرس الملالي من محافظات جنوب خراسان وكرمان وهرمزغان إلى سيستان وبلوشستان، وأدى الشيخ مولوي عبد الحميد صلاة الجمعة وسط إجراءات أمنية مشددة وحضور مكثف لقوات الشرطة، وتظاهر عدد كبير من الأهالي في مدينة زاهدان بعد صلاة الجمعة مرددين شعارات «الموت لخامنئي» و«الموت لقوات الباسيج»، كما حدث خلال أيام الجمعة السابقة.

وبعد صلاة الجمعة، حاصر ضباط عسكريون يرتدون ملابس مدنية مسجد مكي زاهدان وفتحوا النار باتجاهه، مما أدى إلى إصابة ما لا يقل عن 25 شخصاً بجروح.

في الوقت نفسه، نظم متظاهرون في مدينتي راسك وخاش احتجاجات في الشوارع بعد انتهاء صلاة الجمعة، وبحسب التقارير ومقاطع الفيديو المنشورة، استخدمت القوات القمعية التابعة للنظام البنادق الآلية والقناصين والمروحيات لقمع المتظاهرين.

إن إحياء ذكرى شهداء مجزرة الجمعة الدامية في زاهدان له عدة رسائل تستحق الاهتمام:

1- في يوم الجمعة 29  سبتمبر 2023 خرج الناس إلى الشوارع في المدن الكبرى في محافظة سيستان وبلوشستان لإحياء ذكرى جمعة زاهدان الدامية.

2- لمنع تنظيم المظاهرات، اتخذ النظام كل الإجراءات التي في وسعه لمنع إحياء هذه الذكرى، ومن بينها، سافر رادان، القائد العام لقوات الشرطة، إلى محافظة سيستان وبلوشستان قبل أسبوع من ذكرى الجمعة الدامية لإصدار أوامر بقمع المتظاهرين والتعامل معهم شخصياً، بالإضافة إلى ذلك، أرسل قوات عسكرية وقوات إنفاذ القانون إلى المحافظة من المحافظات المجاورة، ولكن على الرغم من إطلاق النار وإلقاء الغاز المسيل للدموع وإصابة ما لا يقل عن 25 بلوشياً واعتقالات واسعة النطاق؛ لم يستطع منع انتفاضة الأهالي البلوش المحتجين. وفي موقع X (تويتر سابقاً)، كان وسم#جمعه_خونین_زاهدان (جمعة زاهدان الدموية) رائجاً (تيرند) في إيران.

3- إن أهم إنجاز لهذه الانتفاضة الشعبية العظيمة هو مجرد إقامة هذه الذكرى، لأن مجلس الأمن الأعلى للنظام ووزارة المخابرات والأجهزة الأمنية الأخرى للنظام قررت أنه لا ينبغي أن يبقى أي أثر لانتفاضة سبتمبر 2022 في جميع أنحاء البلاد في الأذهان، وادعى خامنئي وجميع عملائه أنهم قادرون على احتواء الانتفاضة، ولكن في 29 سبتمبر، أظهر الناس فشل النظام في قمع الانتفاضة من خلال حضورهم الكبير في شوارع مختلف مدن المحافظة.

4- أحد الأسباب الرئيسية لنجاح المظاهرات في ذكرى جمعة زاهدان الدموية هو الارتباط بين انتفاضة الأهالي البلوش وانتفاضة الشعب الإيراني على مستوى البلاد، والشعار «من زاهدان إلى طهران.. أضحي بحياتي من أجل إيران»، يعبر عن هذا الارتباط، وفي مدن إيرانية أخرى، تم رفع شعارات مماثلة تضامناً مع انتفاضة أهالي بلوشستان.

5- ما حدث في 29 سبتمبر 2023 في بلوشستان وعمليات وحدات المقاومة في مختلف مدن إيران، يُظهر حقيقة أن الثورة الديمقراطية للشعب الإيراني مستمرة بالاعتماد على التنظيم والروح الجريئة لقادتها، بلوشستان المضرجة بدماء شهدائها هي الآن زعيمة ورائدة المدن الثائرة في إيران، هذه الإمكانية موجودة أيضاً في مدن أخرى في إيران وستظهر في الوقت المحدد.

6- قالت السيدة مريم رجوي أيضاً في رسالتها على تويتر بخصوص ذكرى جمعة زاهدان الدامية:

“… إن التضامن والوحدة في ساحة المعركة والانتفاضة من أجل إسقاط النظام وإقامة الحرية والديمقراطية يتحركان بسرعة، ولن ينجو خامنئي من المجزرة وطوفان الدماء الذي بدأه في زاهدان، صرخة القمع والظلم لجميع النساء والأطفال والشباب الذين تم قتلهم وذبحهم في زاهدان وغيرها من مدن إيران؛ ملأت سماء ثورة إيران، تحية لشهداء زاهدان الذين ضحوا بدمائهم، والنصر للثورة الديمقراطية للشعب الإيراني…”

نظام مير محمدي

كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى