نقد مذهب الشنقيطي في فقه الثغور وحلف إيران (1)
بقلم: مضر أبو الهيجاء
من النادر أن قرأت للأخ الفاضل الدكتور الشنقيطي إلا واستفدت جانبا أو زاوية أو معلومة أو وجهة نظر فيما يكتبه، وكل يؤخذ منه ويرد، إلا رؤية الدكتور الشنقيطي في تسويغه وتشريعه وتجميله للعلاقة والحلف القائم مع إيران فجميعها مردودة عليه بالإطلاق، لاسيما أن طرحه في هذا الشأن تحديدا فيه إشكالات منهجية وسياسية وأخلاقية وتاريخية.
وإذا كانت العبرة في عموم المطروح لا بخصوص الشخص الكاتب، يمكنني القول إن حجم المفيد والصواب في المطروح في المقال من قبيل وقائع تاريخية واستعراض لأحداث هامة وحكم مروية هو من قبيل (استحضار لصحيح التراث والتاريخ يرافقه خلل وخطأ في التنزيل) وهي إشكالية في الشخصية المعاصرة سواء أكانت إخوانية أم سلفية، حيث تصيب في استحضار صحيح الدين وتخيب في التنزيل.
إن المقال بالجملة يلخص الواقع الاسلامي الحالي مشيرا إلى حقيقة مرة وهي أن المسلمين اليوم بلا مشروع جامع، وأن المسلم الحركي المعاصر ذو رؤية جزئية قاصرة وأن قيادات الحركات الإسلامية السياسية المعاصرة فاقدة للمنظومة الدينية والأخلاقية والسياسية الرصينة والتي يمكن أن تحكم مساراتها واجتهاداتها السياسية بشكل منسجم مع مرجعيتها الشرعية ورؤيتها الشاملة.
كما أن المطروح في المقال -وهي رؤية تتمدد بين الإسلاميين الجدد- يجمع بين الشيء ونقيضه، ويجمع بين المسؤولية وانعدامها، وبين الحكمة وغيابها، وبين المعقول والمغامرة، وبين البناء على الواقع والتكهن المستقبلي والمقامرة، وبين الانتماء للأمة والتنكر لها، وبين الاهتداء السطحي بالسيرة النبوية والاقتداء العميق بالنماذج الغربية، وبين مراعاة الغرب في طرحه الإنساني والاستخفاف بدماء المسلمين، وبين طرح الفلسفات الغربية العميقة واستحضار الشكليات السطحية غير المفصلية في الدين … الخ
والسؤال الذي يطرح نفسه ما الذي يدفع لكل هذا التزاحم والخلط والتناقض لأجل تسويغ حلف حركة المقاومة الإسلامية حماس مع المشروع الإيراني السياسي؟
هل السر في ذلك أن مرجعية حركة حماس تنظيميا هي مرجعية إخوانية؟
أم السر في ذلك هو ضرورة التماشي مع السياسة الإقليمية؟
أم السر في ذلك هو غياب منظومة سياسية إسلامية وفقر الفقه الإسلامي المعاصر بمسائل السياسة الشرعية؟
أم هي الرغبة الجامحة عند الإسلاميين الجدد للقاء مع أهل الباطل وأحزابه ودوله وفق تحالفات مرحلية مناسبة خفيفة وممتعة، تفتح الباب للاجتهادات المعاصرة وفق توازنات وموازنات غير شرعية بمعناها الفقهي والأصولي؟
إن الخلط المريب والمغرض بين قرار القيادة العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية حماس بإطلاق معركة طوفان الأقصى وما نتج عنها وما خفي سابقا منها، وبين الحلف مع المشروع السياسي الإيراني هو خلط للأوراق يخلط السم بالعسل والحق بالباطل، ويسبب قصر النظر ويفقد الصالحين الهدى والبصر.
فإذا كانت معاركنا المشروعة محقة سواء أكانت إدارتها موفقة حققت أهدافها أو بعضها، أم كانت مفتئتة وفاشلة أزهقت ما بني من خير وجرفت ما تبقى منه، ففي الحالتين لا يجوز القفز من شرعية معاركنا وعظم بطولات مجاهدينا وروعة كلمات وعبير شهدائنا ليوضع في كفة الميزان التي تناقش خلل وانحراف العلاقة بين الحركات الفلسطينية الإسلامية المقاومة وبين المشروع الإيراني المعادي للأمة ودينها وعموم شعوب المنطقة ودولها، فإذا كان الجانب الاول يستحق علامة صح فإن الثاني يستحق علامة خطأ ولا يجوز التلبيس بينهما.
إن خطورة تسويق وتجويز حلف حركة حماس مع المشروع الإيراني -الذي يمتلك تصورا عدائيا عميقا لعموم المنطقة وخصوص المكون السني فيها، والذي أنجز خطوات عملية عدائية فتتت شعوب المنطقة ثقافيا وفككت دولها سياسيا وعسكريا ثم احتلتها ونهبتها وشردت أهلها- هي خطوة خطرة ستشرع لعموم الحركات الإسلامية السياسية لتلتقي بأعداء الأمة انطلاقا من رؤيتها القاصرة لمصالحها التي لا تتجاوز قدميها، ليتحقق ما يريده الغرب ويسعى له، وذلك بإنهاء حلم ومشروع الأمة الواحدة، لاسيما أنه نجح في تحطيم وتفكيك دولتها ولكنه فشل -حتى اللحظة- بإتلاف وحدة الأمة، الأمر الذي أكدته ثورات الربيع العربي كما أكدته مرارا وتكرارا قضية الأقصى.
فهل يجوز أن يحقق الإسلاميون للغرب ما يسعى إليه -بعد فشله السياسي والعسكري- من خلال تغيير واتلاف منهجي عبر تأصيل الإسلاميين الجدد لأصوله وقواعده؟
وكيف يغيب نظر العقلاء عن حقيقة بارزة ظهرت للعيان، ومفادها أنه لم تعد قضية من قضايانا كالقضية الفلسطينية والسورية والمصرية والعراقية والليبية والسودانية واليمنية إلا وأصبحت قضية دولية تتداخل فيها أطراف كثيرة، ولم تعد أي واحدة بينها قضية إقليمية أو محلية.
فكيف ينظر البعض لرؤية واجتهاد في قضايانا دون اعتبار واقع الأمة بل ويؤصل لتشتيتها؟