مقالات

نقد مذهب الشنقيطي في فقه الثغور وحلف إيران (3)

بقلم: مضر أبو الهيجاء

5/ انتفاء البيان الواجب في بعده الشرعي والسياسي والأخلاقي، وأثر ذلك المستقبلي في واقع الأمة وشعوبها.

إن أصل المهمة التي أرسل الله بها رسله جميعا توضحها كلمة القرآن في قوله سبحانه وتعالى على لسان رسله وأنبيائه جميعا بقوله: يا قوم اعبدوا الله. وقد وردت وتكررت في سورة هود والأعراف والنحل مشيرة إلى الأمر بعبادة الله ونفي ألوهية غيره سبحانه والأمر باجتناب الطاغوت.

وحتى تتحقق وتتجسد تلك العبودية لله وحده واجتناب الطاغوت في واقع العباد جاء أمره سبحانه وتعالى في قوله: وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم. النحل64

أقول إن خطورة الحلف مع الأعداء ملالي إيران تكمن في جوانب عدة تميزها عن غيرهم من الأعداء، فعلاوة على أن إيران تحتل بلادنا وتقتل أطفالنا وتعدم علماءنا وتستحيي نساءنا وتهجر شعوبنا، فإنها تتميز بما لا يتميز به غيرها وهو أنها تمتلك نفس المفردات الإسلامية التي تشكل الشخصية الإسلامية، الأمر الذي يلتبس على أهل القبلة والإسلام فيزيد من أتباعها من أبناء شعوبنا وذلك من نافذتي حب آل البيت، والارتباط   المخادع بالقضية الفلسطينية واستهداف تحرير الأقصى المبارك ودحر الاحتلال الإسرائيلي والعداء الموهوم للشيطان الأكبر أمريكا.

إن صورة العلاقة والحلف بين حركة حماس وإيران هي صورة مختلة ضالة ومضللة لعموم المسلمين، وكنتيجة لمشروع ودهاء وقوة إيران ولضعف وحاجة حركة حماس، فقد اختلت المعادلة القرآنية في قوله سبحانه على لسان أنبيائه ( يا قوم اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت )، وفي قوله ( ولتبين لهم )، والواقع العربي يشهد أن أحدا من بين شعوب العرب والمسلمين لم يخرج منددا بإيران باعتبارها عدو محتل ، بل إن عموم الشعوب السنية والجماعات الإسلامية باتت تسبح بحمد إيران وتترحم على قادتها الأشاوس، وهي تترجم قناعتها وإيمانها بسوية وصدق ورسالية إيران وقادتها، وما ذلك إلا بالتزكية العالية التي اصطبغ بها خطاب حركة حماس في بعده السياسي والذي انتقل للبعد الفكري والثقافي، لاسيما وقد أصبح أبناء العديد من قادة حماس وشهدائها الأبرار مروجين لإيران وحربة في وجه من يحذر منها وعقبة أمام وراثة الأنبياء في البيان.

إن الصورة التي يقدمها ويطرحها الشنقيطي حول طبيعة الحلف والعلاقة بين حركة حماس وإيران هي صورة خفيفة وسطحية وغير علمية ولا دقيقة في وصف تغول المرض وتوسع الخبث الإيراني في العقل والوعي الفلسطيني خاصة والعربي والإسلامي عامة.

لم تقم حركة حماس ذات المرجعية والأهداف الإسلامية بما يجب في البيان لدين الله وتمييز عبادة الله والتحذير من الطاغوت، ولم تقم ببيان مخاطر هذا الطاغوت الإيراني الطائفي لعموم المسلمين وخصوص الفلسطينيين المنبهرين بعظمة وبسالة ورسالية إيران، بل إن حركة حماس ولأجل مصالحها السياسية باتت تشوه الصورة وتخلط الحق بالباطل في وعي الشعوب، غافلة عن أن قياداتها المروجين لإيران سيرحلون وتبقى كلماتهم وتوجيهاتهم في الوعي المشوه ووجدان الأمة أجيالا بعد أجيال.

ويمكنني القول إن خلل التصور الإسلامي تجاه إيران وملاليها قد ضرب أطنابه في عقول بعض قيادات حركة حماس في العقد الأخير على وجه الخصوص، وهي نتيجة طبيعية لانعدام المراجعة لدى حركات الإخوان المسلمين، ونتيجة لتغول البعد السياسي وتقزم البعد الرسالي عند حركة حماس ممثلا بقيادتها الجديدة والأخيرة.

وحتى لا يكون هذا التصور بدون برهان يمكنني الإشارة الى عديد الصور التي تبين وتؤكد أن الخلل المنهجي والفكري لم يتوقف عند العوام بل إن جذوره امتدت للقيادات عند حركة حماس -ولن أتحدث عن الأبواق كحمدان-، ولك أن ترصد خطاب ثلاث شخصيات من القادة السياسيين والعسكريين في الحركة وهم (السنوار والشهيد صالح العاروري والأخ المجاهد أبو خالد الضيف)، والخطورة لا تتبين في الخطاب السياسي بل تتأكد حينما تتيقن بأن الشيخ صالح العاروري رحمه الله هو مهندس فكرة وحدة الساحات بين فلسطين والمكون الإيراني الشيعي وامتداداته في سوريا ولبنان والعراق واليمن،  ويمكنك أن تلحظ بساطة تصور أبو خالد الضيف -حفظه الله- للمشروع الإيراني عندما ينظر في خطابه مشيرا إلى أن مشروع تحرير الأقصى سينهي حالة الاحتراب الطائفي في محيط فلسطين مساويا -دون قصد- بين ضحايا المسلمين من الشعوب السنية المسالمة والمليشيات الشيعية اليد الضاربة للمشروع الإيراني الطائفي.

أما السنوار فهو لوحده حكاية غريبة في تمجيد إيران ومد نفوذها في الحركة رغم أنف قيادات المصلحين الرافضين لتوسع صلاحياتها في اتخاذ القرار.

لم يعرف ويشتهر في مساجد ومنابر غزة تحذيرا وفضحا وبيانا لخطورة مشروع إيران السياسي على الأمة، بل بالعكس فقد وصل التهديد والوعيد لمن يمارس هذا الدور الشرعي مشغبا على سياسة حماس.

يتبع …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى