نقد مذهب الشنقيطي في فقه الثغور وحلف إيران (9)
بقلم: مضر أبو الهيجاء
10/ خفوت وهشاشة وضعف وتراجع طرح التصور القرآني العميق في الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل في مسار القضية الفلسطينية لصالح تضخم الرؤى السياسية البراغماتية الغربية والفلسفة الحزبية.
لا خلاف في وجوب الانتفاع من كل حكمة فهي ضالة المؤمن وهو أحق بها حيثما وجدت، سواء عند الغرب أو عند الشرق، وسواء عند المؤمنين أو المشركين أو الملاحدة.
لكن لا يمكن للموجه المنتمي أن يبني منظومة فكرية أو سياسية من خارج إرثه إلا إذا كان فاقدا لموروث معتبر أو كان موروثه جاهليا وفقيرا بالفهم والحكمة والقيم.
إننا كمسلمين خير أهل الأرض ومن يملك موروثا عظيما قويما حكيما وبصيرا تملؤه الهداية ويصبغه العقل الرشيد، ويكفينا أن موروثنا القيمي والفكري والمنهجي ينطلق من ركنين عظيمين هما القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وكلاهما من عند الله خالق هذا الكون وراسم سننه وقواعده والمطلع سبحانه على مستقبله وكل تفاصيله.
أقول إن طرح الشنقيطي -والعبرة بعموم المطروح لا بخصوص الشخص المذكور- مفرط في تناول النظريات والتجارب الغربية على حساب الغوص العميق والفهم الدقيق وعلى حساب استحضار التصورات القرآنية والاهتداء بالسيرة النبوية.
وإذا كنت أرى أن اطلاع المرء على تجارب ونظريات العصر هي مسألة ممدوحة، بل إن انعدامها أو فقر فهمها وغياب دراستها سبب في نقص وزلة وسقوط، إلا أن ضعف الفهم وغياب التصور الإسلامي المبثوث في آي الله الحكيم وقصص الأنبياء التي وردت للاعتبار والاهتداء، كما ضعف الاقتداء بسيرة ومواقف وتصرفات النبي محمد صلى الله عليه وسلم هي سمة غالبة في طروحات الإسلاميين الجدد وعلى وجه الخصوص في الجانب والمنحى السياسي، الذي هو أهم جوانب الدين وأكثرها فاعلية في صبغ حياة المسلمين في الشأن العام.
ومن الملاحظ في مسيرة التغيير الإسلامي وعند بعض كتابها المعاصرين الوقوع في الإفراط والتفريط في تناول النظريات والتجارب الغربية، ووجوب الاستفادة منها وتبني الحكمة المتوفرة فيها ورفض المتصادم مع الدين فيها، حيث تجد في رؤى وكتابات بعض المفكرين والموجهين السابقين عزوفا وفقرا وبساطة في هذا المضمار الواجب، كما تجد مبالغة ومغالاة في تناول تلك النظريات واعتماد مقولاتها عند المعاصرين من الاسلاميين الجدد!
إن ما ينبغي التوقف عنده في طرح بعض المعاصرين الذين غرقوا في التناول من النظريات الغربية، هو أن الإسلام يمتلك منظومة سياسية مختلفة عن المنظومة الغربية من حيث منطلقاتها وأهدافها القريبة والبعيدة، وكذلك من حيث قيمها العميقة وأخلاقها المبنية على الإيمان بعالمي الغيب والشهادة، وليس البناء على عالم وإنكار الآخر.
إن مقاييس النجاح والفشل السياسي في التصور الإسلامي مختلفة، وهي أوسع وأبعد وأعمق من التصور السياسي الغربي بمقياسه للنجاح والفشل.
ومن الملاحظ في حقبة الربيع العربي وتجارب التغيير الإسلامي أن جزءا من فشلها سواء من الناحية السياسية كما في التجربة المصرية أو من الناحية القتالية كما في التجربة السورية هو انجرارها خلف تصورات المنظومة الغربية ومقاييس النجاح والفشل لديها والتي أهرقت الدماء في غير الاتجاه الصحيح أو فوتت الثمرات نتيجة تصور موهوم ومقياس خاطئ.
وكأن العالم العربي والإسلامي يراد له اليوم أن يخرج من منظومته السلفية -بمعناها الواسع- ليقف في تدافعه على أرضية ورقعة الشطرنج الغربية والتي يملك جوانبها ومفاصلها الحيوية العدو الماكر، بحيث يحدد للمسلمين مستوى نجاحاتهم وأشكال كسبهم، وهو في هذا الجانب ماكر وخبيث ويجيد إدارة لعبة الصراع ويعي جيدا أين ومتى يضع الطعم ويقدم الجزرة، ومتى يخرج عصاه الغليظة ويمنع أي كسب ونجاح من الوصول إلى أهدافه البعيدة الخارجة عن رقعة الشطرنج المرسومة.
وإذا نظرنا بعمق للتصور السياسي الناظم للعلاقة والحلف بين حركة المقاومة الإسلامية حماس وبين المشروع الإيراني المحتل لبلاد المسلمين والقاتل لأطفالنا والموحدين، نجد أنه محكوم بتصور خارج عن التصور الإسلامي السياسي والقيمي، بل إن كل ما استعرضه الشنقيطي من تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم مع المشركين هو استعراض فاقد للفهم ومفارق للقياس ومخل في التنزيل، وقد سبقه في هذا كثير من علماء التنظيم الذين يستهدفون تجويز الحلف ولا يبحثون عما ينضبط بشرع الله ودينه وسيرة النبي الأمين صلى الله عليه وسلم.
إن الصراع القائم في فلسطين ليس صراع ثيران، وليس موضوعه ولا مجاله إثبات القوة والشجاعة، بل هو صراع بين حق وباطل، يستهدف إزالة العدوان وإقامة العدل والتمكين للدين، وهو في هذا يتعارض مع منطق الاستعراض والمغامرة التي تتعامى عن قراءة المآلات ولا تقدر الأمور بقدرها، كما يتعارض مع الأحلاف التي تقوم مع مشاريع تستهدف فعلا اقتلاع الدين.
يتبع …