بعد سنوات من السيطرة على الحياة السياسية في إسرائيل، يواجه بنيامين نتنياهو منعطفًا حاسمًا بعد إسقاط حكومته أو خسارته للأغلبية البرلمانية،
ما يفتح الباب لتغيرات كبيرة في الساحة السياسية الإسرائيلية. نتنياهو يترك خلفه إرثًا سياسيًا معقدًا، يجمع بين إنجازات في العلاقات الخارجية، خصوصًا عبر اتفاقيات التطبيع مع عدد من الدول العربية، وبين انقسامات عميقة داخل المجتمع الإسرائيلي، تفاقمت بسبب سياساته التي غذت التوتر بين التيارات العلمانية والدينية، واليسارية واليمينية.
يرى عدد من الخبراء أن سياسات نتنياهو خلال فترة حكمه الطويلة أعادت تشكيل المشهد السياسي الإسرائيلي بشكل يصعب التراجع عنه.
تقول البروفسورة تمارا كوفمان ويتس، الباحثة في معهد بروكينغز، إن “نتنياهو ترك بصمة على كل مؤسسات الدولة، من القضاء إلى الإعلام، وجعل السياسة الإسرائيلية أكثر استقطابًا من أي وقت مضى”.
بينما يعتبر الباحث الإسرائيلي ميخائيل ميلشتاين، الرئيس السابق لقسم الدراسات الفلسطينية في الاستخبارات العسكرية، أن “خروج نتنياهو من الحكم لن يعني بالضرورة نهاية مرحلة، فنهجه السياسي أصبح متجذرًا داخل اليمين الإسرائيلي”
من جهة أخرى، يواجه نتنياهو ملفات قضائية متراكمة تتعلق بالفساد وخيانة الأمانة، ما يجعل خروجه من الحكم لحظة حساسة على المستوى الشخصي، إذ قد يفقد الحصانة التي كانت توفر له بعض الحماية. في حال غادر رئاسة الوزراء، من المتوقع أن تتسارع وتيرة محاكماته،
وتعود القضايا التي كانت تُدار بهدوء في خلفية المشهد السياسي إلى الواجهة بشكل أقوى. ويقول المحلل القانوني في صحيفة “هآرتس”، موشيه غورالي، إن “المعركة القانونية التي تنتظر نتنياهو قد تكون الأكثر تعقيدًا في تاريخ إسرائيل، إذ تتداخل فيها الاعتبارات السياسية مع البعد القضائي”.
أما على صعيد الخلافة، فإن عدة أسماء بارزة تبرز في المشهد السياسي. يائير لابيد، رئيس الوزراء الأسبق، يمثل التيار الليبرالي المعتدل، ويقدم خطابًا يحاول إعادة التوازن إلى الداخل الإسرائيلي. بني غانتس، القائد العسكري السابق ووزير الدفاع الأسبق، يبدو خيارًا واقعيًا أيضًا، خاصة أنه يحظى بشعبية عابرة للانقسام الحزبي. وهناك أيضًا وجوه من داخل التيار اليميني مثل جدعون ساعر ونفتالي بينيت، الذين يمكن أن يملؤوا الفراغ داخل المعسكر اليميني إذا تم تجاوز نتنياهو.
ويقول أودي ديكل، المدير السابق في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، إن “ما بعد نتنياهو ليس مجرد تغيير شخصي، بل قد يكون لحظة لإعادة تعريف الهوية السياسية للدولة”.
على الرغم من كل ذلك، لا يبدو أن نتنياهو سيغادر المشهد السياسي بسهولة. هو معروف بقدرته على المناورة والعودة من الأزمات،
وقد يسعى إلى ترؤس المعارضة أو التخطيط لعودة مستقبلية، خصوصًا إذا شعر أن خلفاءه لم ينجحوا في السيطرة على المشهد.
ومع ذلك، فإن المرحلة المقبلة تحمل له تحديات غير مسبوقة، قانونيًا وسياسيًا، وقد تحدد مصيره السياسي بشكل نهائي لأول مرة منذ عقود.