هجوم الثوار وغياب الدعم الشعبي ورفض التسوية يضع مصير نظام الأسد علي المحك
على مدى أكثر من عام، وبينما يتسع الصراع بين إسرائيل والقوات المدعومة من إيران عبر الشرق الأوسط ويمتد إلى داخل بلده، كان الرئيس السوري بشار الأسد صامتًا بشكل لافت للنظر. في ظل استمرار الحرب الأهلية الطويلة، والدولة المنهارة والمفلسة، ومع تشتت وإضعاف داعميه – روسيا وإيران وحزب الله – بسبب صراعاتهم الخاصة، اختبأ الأسد، حيث بدا وكأنه يتحوط في رهاناته.
لكن الهجوم المفاجئ للفصائل المسلحة السورية المعارضة بحسب ورقة لمركز أمد للدراسات السياسية هذا الأسبوع، الذين سيطروا على حلب – ثاني أكبر مدينة في البلاد – خلال 48 ساعة من بدء هجومهم، كشف بشكل دراماتيكي عن عدم الاستقرار في سوريا، وهشاشة قبضة الأسد على بلده الممزق، وحجم المعارضة لحكمه.
من جانبه يقول حيدر حيدر، محلل سوري في مؤسسة تشاتام هاوس: “الأسد في وضع شديد الضعف. الجميع ينتظر لمعرفة ما إذا كان النظام قادرًا على حشد قواته وحلفائه لصد الهجوم”.
وكان الأسد بالفعل في مأزق: إسرائيل، التي شنت عشرات الضربات ضد الأهداف المرتبطة بإيران في سوريا خلال الأشهر الـ12 الماضية، حذرته علنًا بأنه في مرمى نيرانها وعليه اختيار أحد الجانبين.
في الوقت نفسه، يرى المراقبون للشأن السوري أن الأسد ربما رأى فرصة لاستعادة درجة من الاستقلالية عن الداعمين الأجانب الذين يعتمد عليهم، حيث بدأت الدول العربية وبعض القوى الأوروبية في التساؤل عما إذا كان ينبغي إعادة تأهيل هذا الحاكم الاستبدادي.
بدا الأمر وكأن أسوأ ما في الحرب الأهلية السورية قد انتهى، وأن الأسد باقٍ، وقد يكون الوقت مناسبًا للتعامل مع القضايا الدولية مثل اللاجئين وتهريب المخدرات.
لكن التقدم المذهل للمتمردين أكد اعتماد الأسد على روسيا وإيران والميليشيات المدعومة من إيران لصد التهديدات المحلية.
فيما تراجعت القوات الموالية للأسد بينما تقدم المتمردون بقيادة هيئة تحرير الشام نحو حلب – مدينة بها مليوني نسمة – ثم تقدموا جنوبًا نحو حماة. ويبدو أنهم كانوا يحاولون إعادة التجمع يوم الأحد، بينما شنت الطائرات السورية والروسية عدة غارات جوية على حلب وإدلب، المحافظة الشمالية الغربية التي تعد معقلًا لهيئة تحرير الشام.
يقول المحللون إن الشعور بالإحباط واليأس في سوريا، بعد 13 عامًا من اندلاع الحرب الأهلية التي خرجت من انتفاضة شعبية ضد النظام، قد انتشر بين صفوف الجيش.
يقول تشارلز ليستر من معهد الشرق الأوسط: “الوحدات العسكرية واحدة تلو الأخرى تتراجع وتنهار وتتخلى عن مواقعها”.
اقتصاديًا، كانت سوريا على حافة الانهيار لسنوات، معاقة بالديون غير المسددة للداعمين الأجانب للنظام، والعقوبات الغربية، وانهيار النظام المصرفي في لبنان، الذي كان ملاذًا طويلًا لرجال الأعمال السوريين.
وخلال السنوات الخمس الماضية، أصبح السوريون أكثر فقرًا، ولم يفعل النظام الكثير لتحسين حياة الناس، حسب الخبير الاقتصادي السوري جهاد يازجي. وبالإضافة إلى الضرائب المتزايدة ومصادرة الأراضي والاقتصاد المنهار، هناك “فساد النظام المتغلغل في كل جوانب الدولة”.
وأدى تجاهل عائلة الأسد ا لمعاناة السوريين وطمعها إلى انتشار السخط خارج نطاق معارضي الأسد، وانتشر في المجتمع السوري بأكمله، بما في ذلك بعض الموالين من الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد. يقول يازجي: “الكثيرون غاضبون لأنهم بعد سنوات من الولاء أصبحوا في وضع أسوأ من ذي قبل”.
فيما انتشر الفساد وتدنت المعنويات الآن خلال العديد من المؤسسات الحكومية في سوريا، حيث يساعد الموظفون المدنيون على الإشراف على دولة لا يعمل فيها شيء تقريبًا.
وعلى الرغم من المحاولات الأخيرة لتحديث الجيش، يقول يازجي إنها كانت “حالة متأخرة جدًا”. ظلت المعنويات منخفضة مع استمرار التجنيد الإجباري وإزالة الدعم مما يؤثر بشدة على الجنود.
وفي حالة نادرة من النقد للنظام من داخل المجتمع العلوي الأكثر ولاءً، قال أحد العلويين السوريين: “نحن مستعدون لحماية قرانا وبلداتنا، لكنني لا أعلم ما إذا كان العلويون سيقاتلون من أجل مدينة حلب، لقد توقف النظام عن إعطائنا أسبابًا للاستمرار في دعمه”.
كذلك تعمقت حالة اليأس بسبب عدم رغبة النظام الواضحة في التسوية مع معارضيه، حتى عندما حاولت روسيا – راعيته – دفع الأسد نحو المشاركة في عملية سياسية، وفقًا لمحللين. ومع ذلك، جرى إحياء محاولات الدول العربية وبعض الدول الأوروبية لإعادة التواصل مع الأسد بعد الزلزال المدمر في فبراير 2023 الذي ضرب تركيا وشمال سوريا.
في يوليو، أعادت إيطاليا فتح سفارتها في دمشق، وانضمت إلى قائمة الدول الأوروبية الصغيرة التي استعادت العلاقات الدبلوماسية مع سوريا.
وكذلك سعت أيضًا الدول العربية، بما في ذلك بعض الدول التي دعمت المتمردين في البداية عند اندلاع الحرب الأهلية، لإعادة الأسد إلى الساحة الدولية، بجهود قادتها السعودية أدت إلى إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية العام الماضي للمرة الأولى منذ عام 2011.
وأملت الدول العربية في الحصول على تنازلات من الأسد بشأن تهريب المخدرات الذي أثار عدم الاستقرار الإقليمي، وخلق بيئة آمنة للسماح للاجئين بالعودة غير أن دمشق لم تحرز تقدمًا يذكر على أي من الجبهتين.
من جانبها فقد اظهرت تركيا، الداعم الرئيسي لمجموعات المعارضة السورية، اهتمامًا بتطبيع العلاقات مع الأسد، وهو ما رفضه الأخير.
وقال المسئولون العراقيون الذين ساعدوا في التوسط بين دمشق وأنقرة هذا العام إن حكومة الأسد رفضت التنازل حتى في قضية اللاجئين، وهي نقطة خلاف رئيسية في السياسة الداخلية التركية.
بدلاً من ذلك، واصل الأسد قصف إدلب التي يسيطر عليها المتمردون، مما دفع آلاف الأشخاص نحو حدود تركيا، التي تستضيف حوالي 3 ملايين لاجئ سوري ولديها قوات منتشرة في شمال سوريا حيث تدعم المتمردين.
ويقول المحللون إن تركيا قد لا تكون وافقت صراحةً على الهجوم الذي تقوده هيئة تحرير الشام، لكنهم يقولون إن الهجوم سيخدم مصالحها وقد يمنح أنقرة المزيد من النفوذ في أي مفاوضات.
يقول مالك العبدة، المحلل السوري: “كان للأسد فرصة منذ الصيف للجلوس مع أردوغان ووضع خطة يكون فيها لتركيا منطقة نفوذ في شمال سوريا”. “كانت لديه فرصة للتفاوض بطريقة تحفظ ماء الوجه سياسيًا، لكنه رفض”.
دائمًا ما اعتبر الأسد التنازلات علامة على الضعف، لكن الهجوم الذي شنته هيئة تحرير الشام أكد اعتماده على روسيا وإيران والمجموعات المرتبطة بها، والدور المبالغ فيه للقوى الأجنبية في سوريا.
جاء أول ظهور علني للأسد منذ اندلاع الأزمة فقط عندما زار وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، دمشق ليلة الأحد.
توعهدت روسيا وإيران والإمارات العربية المتحدة بدعم النظام لكن مع دفع الأسد إلى الزاوية، قد تكون التسوية الدبلوماسية هي مخرجه الوحيد، على الرغم من رفضه الانخراط فيها لسنوات. يقول العبدة: “الأسد يمكنه البقاء. لكن على المدى الطويل، لا يوجد طريق يتجنب فيه مشاركة السلطة مع المعارضة، وهذا سيكون نهاية النظام”.