هذا ما يجمع إيران والكيان في المشهد السوري و احتمالات اشتعال حرب إقليمية

كان من المستبعد لدى الكثير أن يرى تطابقاً فعلياً، في الخطاب المكثف وخاصة تجاه سوريا الجديدة والرئيس السوري احمد الشرع بين طهران وتل أبيب، وعادةً يُستدعى مصطلح مؤامرة، لكن في الحالة السورية، لا يوجد حاجة لاستخدام مصطلح مؤامرة،
وفقا لورقة لمركز أمد للدراسات الاستراتيجية فهذا لا يعود لأن هذا (التآمر ممتنع) بل هو متوقع، لا على مستوى الإقليم فقط، ولكن على المستوى الدولي فيما يمثله موقف المركزية الغربية، في علاقتها الإستراتيجية من الشرق بالعموم، ومع المشرق العربي بالخصوص
وتحاول ورقة أمد رسم صورة الحرب الإقليمية على سوريا الجديدة، وتقرأ بتعمق مشهد المواجهات التي تُشن على سوريا، وكيف تتحد في خندق مشترك ثم تتفكك، بسبب السياسات التي تنجح فيها هذه الدولة الوليدة، وقيادتها الجديدة بما يشبه الخروج بمعجزة كل مرة،
من اللافت القول إن من المهم هنا مع العودة الى المشترك الإسرائيلي-الإيراني في حرب سوريا الحرة، فهم أين تقف مصالح المركزية الغربية، في بقاء هذه الحروب أو تسعيرها.أو تحفّظ بعض الدول الغربية، على قرار تل أبيب-طهران، الدفع بسوريا إلى حرب طائفية أهلية مدمرة

ينطلق ذلك من فرضية أن هذه مصلحة استراتيجية لكلا الطرفين، لسبب رئيسي، وهو قناعة تل أبيب وطهران بأن استقرار نظام سياسي في سوريا، يكفل المشاركة الشعبية، وقيام دولة وطنية حرة تتمتع بقانون سياسي عادل، ومناعة قومية ذات توجه إسلامي عميق، يتجه نحو الرشد السياسي ومفاهيم المدنية الإسلامية، ويخرج بنموذج جديد لرحلة الربيع العربي.
وهذا يعني بالضرورة وجود سوريا قوية مؤهلة لاسترداد ما انتزعه الاحتلال الإسرائيلي، ومهيئة مستقبلاً بأن تدعم الشعب الفلسطيني، ولو كان ذلك بعد زمن ومرحلة انتقالية طويلة.
أما في الطرف الإيراني، فإن طريقة خطاب المرشد الإيراني لم تكن منفعلة فقط، بل كانت متوترة وخرجت عن أي أصول سياسية، في التحريض المباشر على سوريا، والتبني الضمني المبكر، لدعم الأعمال العسكرية ضدها.
ولذلك نفهم هنا دفع طهران لقوى حكومية في العراق مؤخراً، لتنفيذ عمليات مداهمة واعتقال وضرب، لمواطنين سوريين، فقط لأنهم عُمال أو مقيمين من سُنة سوريا، يُحسبون لدى العقل العراقي الموالي لطهران على الرئيس الشرع، وعلى المستقبل السوري،
فهذه العلميات تخرج عن نطاق أدنى حد للمسؤولية السياسية للدولة، وقرار رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني تشكيل لجنة حول التجاوزات، لا يُغير من هذه الحقيقة في التحليل السياسي،
إذ أن السوداني تحكمه معادلة التوافق بين الأحزاب الطائفية في العراق، التي تمثل الغالبية في توجيه الحكومة ورئيسها، ومن خلالها اُطلقت عملية المداهمات.
لقد رفضت طهران عرض أنقرة المتوازن للتوسط لعلاقة جديدة مع دمشق، رغم أنه عرض جيوسياسي من صالحها، لبناء عهد جديد مع الجمهورية العربية السورية، لن تكون فيه طهران صديقاً حميماً قطعاً، ولا شريكاً استراتيجياً لدمشق، ليس فقط بسبب سياساتها المعادية للثورة السورية، والشريكة في جرائم الحرب التاريخية،
لكن لأن طهران مصرة على بقاء المشروع الطائفي السياسي، في المشرق العربي كذراع تمكن لها، وأن سوريا العائدة للحضن العربي الإسلامي الطبيعي لها، والمدنية الاجتماعية التاريخية، تمثل لطهران قلقا بالغا، في تأثيراتها الفكرية والثقافية في المنطقة، والسياسية في العراق حتى دون أي تدخل من دمشق!
إذن هنا كانت القاعدة المتفقة بين طهران وتل أبيب، ولذلك اشتركا في دعم محاولة بعض ضباط الأسد خلق جيب طائفي انفصالي، كان يُمثل لمجمل مشروع الحرب الإقليمية على سوريا، أحد اضلع القوس الشرس، الذي يتمم بين قسد في شمال شرق سوريا، وبين الدعوة لإقليم منفصل للدروز، تقوده بعض المجموعات الدرزية.
وإعلان تل أبيب المتتابع لهذا التقسيم، وحضّ الأطراف التي تتعامل معه في هذه الأقليات، كان مقدمة للحرب الطائفية الأهلية، وذات الأدوات تم دعمها من طهران، وهي رسمياً ذات موقف سياسي واحد، في إسناد الحراك الأخير لفلول الأسد.
إذن نحن في هذه الورقة نعرض لوقائع تجري على الأرض، وتصريحات تنطلق من منابر رسمية أو شبه رسمية، ولذلك كان الاستثمار لما بعد فشل تحرك قوات الأسد الأخير، في تحريض ضخم لإعلان فشل الدولة السورية، وخلق أجواء سقوط للسلم الأهلي، وكأنما فكرة التحالف الجديد، قامت على أن نجاح قوات الأسد في خلق جيب عسكري تدعمه موسكو، وطرفي التحالف العملي، هو الخيار (أ)
فيما الخيار (ب) حين يفشل هذا الهجوم، فتُشعل أجواء الحرب الأهلية الطائفية، وما وقع من اعتداءات على بعض أبناء الساحل، كان جريمة بلا شك، ولكن التحالف الذي صاح باسمها كان أكثر السعداء والمستثمرين.
هنا نعود إلى المركزية الغربية، التي تاريخياً كان يندمج فيها الروس مع أوروبا القديمة، قبل قيام الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم بقيت أوروبا بشقيها الجديد والقديم، في قلب هذه المركزية،
فيما أخذت موسكو ما بعد الثورة البلشفية خطاً، يفتح لها أبواب امبراطورية ضخمة، باسم العالم الاشتراكي لكنها تهاوت في سقوط الإتحاد السوفييتي.
وجاء محلها مشروع إمبراطورية القيصر بوتين، وبالمجمل هناك مصالح في استعادة روسيا لقوتها في سوريا، وهي تحتاج لمشروع التحالف الإقليمي في تفجير الأرض الاجتماعية لكل السوريين، وسياسة موسكو في الأصل تفضل الأرض المحروقة.
أما في الطرف الغربي الأكبر، فإن الرهان على استقرار سوريا، والعودة لحكم سياسي متوازن وشراكة شعبية، يعني أن هناك سلام نسبي سيعيشه المشرق، وتَسكن المنطقة، ويعود بعض المهجّرين، وتُحرك المصالح للغرب نفسه مع هذه المنظومة، وبالتالي لماذا لا يُدعم السلام في سوريا؟
دعنا نقول بأن هذا الموقف لا يزال ممثلاً عند بعض الدول والشخصيات الغربية، لكن المشكلة أنه يتعارض مع العقيدة العدوانية التاريخية مع الشرق المسلم، والفكرة العميقة في منظومة الغرب القديم والحديث، إن كل استقرار وحكم شبه رشيد يهدد مصالح الغرب، الذي دوماً يدير رؤيته عبر شمال متفوق، يحقق مصالحه في الشرق المشتعل المدمر.
هنا الرابط الذي يجمع المركزية الغربية بمصالح التحالف الإقليمي الأخير، وما قدمناه يكفي لفهم أن هذا التحالف الإسرائيلي-الإيراني هو تحالف عملي استراتيجي، وليس المقصود منه عدم وجود صراع بينهما، لكنها روح الخراب التي تراهن عليها مشاريع هيمنة وتوسع لكليهما.
ومع كل ذلك فإنك تعجب في أن سوريا عبرت من كل التحديات السابقة ومن فتنة الساحل، ثم حققت تقدماً كبيراً مع قسد في الاتفاق السياسي، ثم جسورا ناجحة مع السويداء، قبل أن تختتم المسيرة الأخيرة بلجنة التحقيق والمصالحة الوطنية، وبالإعلان الدستوري، هنا السر الذي تنجح به الإرادة السورية رغم كل هذا التوحش عليها، قوتك في داخلك وهي أمنك ومنعتك.