هذا ما يريده ترامب من روسيا وأوكرانيا ومستقبل الحرب في عامها الرابع

 

ترامب

مثل وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سدة الحكم في البيت الأبيض للمرة الثانية -باكتساح غير متوقع- صدمة كبيرة في الأوساط الاستراتيجية نظراً للسياسة الخارجية التي بدأها ترامب في فترته الرئاسية الأولى من 2016 إلى 2020

وقد تمحورت هذه الفترة  حول شعار ” أميركا أولاً” والذي يولي أهتماماً أكبر أوسع للمصالح الأميركية على حساب السياسة المتبعة لعقود القائمة على المنح والمعونات .

وكانت هذه المعونات  لب سياسة  “قوتها الناعمة” التي تعتمد عليها الولايات المتحدة في علاقاتها الدولية، الأمر الذي قد تستفيد منه روسيا والصين بشكل خاص

هذا التصور الجديد بحسب دراسة لمركز أمد للدراسات السياسية الذي يسعى ترامب لتطبيقه قد يحدث تغيرات استراتيجية كبيرة في النظام العالمي قد يطال العديد من الحلفاء التقليديين لواشنطن ومن بينهم أوروبا

وقد راهنت رهنت لعقود أمنها الاستراتيجي بالأمن الاستراتيجي الأمريكي لكن هذا قد يتغير بوصول ترامب هذه المرة وقد يكون له التأثير الكبير على الحرب الدائرة بين أوكرانيا وروسيا.

    كيف ينظر ترامب للحرب بين روسيا وأوكرانيا؟

ولدى الرئيس دونالد ترامب رؤية مختلفة عن الإدارات الأمريكية السابقة تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، حيث ينظر إليها من منظور براغماتي يعتمد على المصالح الأمريكية بالدرجة الأولى، وليس على المبادئ الأيديولوجية أو التحالفات التقليدية وهذا يظهر في العديد من المحاور:

ويعتقد ترامب أن هذه الحرب هي صراع أوروبي بالدرجة الأولى، وليس حربًا تتعلق بالمصالح الحيوية للولايات المتحدة في ظل التنافس الاقتصادي المحتدم بين الولايات المتحدة وبين الصين التي نجحت خلال السنوات الماضية مزاحمة واشنطن على قيادة العالم اقتصادياً وربما تفوقت عليها في بعض القطاعات.

ومن هذه الزاوية يعتقد ترامب أن التركيز على الصين أولى بالنسبة له من الدعم اللامحدود لأوكرانيا كما يرى أن واشنطن لا يجب أن تكون الممول الرئيسي للحرب، بل يجب أن تتحمل الدول الأوروبية العبء الأكبر في دعم أوكرانيا.

وقد تماشي هذا الموقف مع شعاره “أميركا أولًا”، الذي يركز على تقليل التدخلات الخارجية وإعادة توجيه الموارد إلى الداخل الأمريكي.

ويعتبر ترامب أن دعم أوكرانيا مكلف للغاية بالنسبة للولايات المتحدة، خاصة في ظل ارتفاع الدين العام والتضخم الاقتصادي الذي تعاني منه الولايات المتحدة منذ سنوات عقب جائحة كورونا على الرغم من محاولة كبح جماح هذه التضخم بتخفيض سعر الفائدة إلا التضخم ما زال مرتفعاً عند 3٪ في شهر يناير 2025

كما يعتقد ترامب أن الدعم الذي قدمته الإدارة الأمريكية السابقة لأوكرانيا على مدار نحو 3 سنوات والذي وصل إلى  175 مليار دولار حتى سبتمبر 2024 كان يمكن إنفاق كل هذه الأموال على تحسين البنية التحتية أو خفض الضرائب للمواطنين الأمريكيين

وستسهم هذه الأموال وفقا لترامب  في  تحقيق الأهداف التي وضعها الرئيس الأمريكي في حملته الانتخابية والتي ركزت بشكل مباشر على تحقيق مزيد من الرفاهية للشعب الأمريكي.

أيضا يربط ترامب  بين استمرار هذه الحرب والتأثير السلبي على أسعار الطاقة وسلاسل التوريد، مما يؤدي إلى زيادة الضغوط الاقتصادية على الأمريكيين.

بوتين ليست خطراً على أميركا!

وفي هذا الياق لا يرى ترامب أن روسيا ولا رئيسها فلاديمير بوتين عدوان رئيسان للولايات المتحدة، مقارنة بالصين التي يعتبرها التهديد الأكبر في نفس الوقت يعتقد أن الصدام مع روسيا يدفعها إلى تعزيز تحالفها مع الصين، وهو أمر يضر بالمصالح الأمريكية

فعلى الرغم انتقاده للغزو الروسي عام 2022 في بعض المناسبات، فإن ترامب امتنع عن تحميل بوتين المسؤولية الكاملة للحرب، مشيرًا إلى أن القيادة الأوكرانية تتحمل جزءًا من المشكلة

واعتبر ترامب أن الإدارات الديمقراطية والجمهورية التقليدية تتبع “عقلية الحرب الباردة”، بينما هو يرى أن بإمكانه حل الصراع بطريقة مختلفة، تعتمد على الصفقات والمفاوضات.

كما يخالف ترامب الإدارة الأمريكية السابقة التي كانت تصر على ضرورة النصر الكامل لأوروبا على روسيا في هذه الحرب إذ لا يرى ترامب أن انتصار أوكرانيا ضروريًا لمصالح الولايات المتحدة ومن ثم بدلاً من ذلك، قد يفضل حلاً وسطًا ينهي الحرب بسرعة، حتى لو كان ذلك يعني بقاء روسيا في الأراضي التي احتلتها جزئيًا.

الحرب ضعف الناتو

ويعتبر دونالد ترامب أن الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي الناتو تستغل الولايات المتحدة في تمويل دفاعها، ويرى أن استمرار الحرب في أوكرانيا ناتج جزئيًا عن ضعف سياسات الحلف.

ومن ثم يجب على دول الحلف أن تحمي نفسها بعيداً عن انخراط الولايات المتحدة في هذا الملف بالشكل الحالي وإذا ما أرادت دول الحلف بقاء الموقف الأمريكي عند هذه القوة فيجب عليها أن تدفع المزيد من الأموال لواشنطن جراء هذا الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة.

وقبل وصول ترامب إلى سدة الحكم رسميا في يناير 2025، ذكر في إحدى لقاءاته الصحفية أنه قادر على إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية في يوم واحد بعد جلسة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، بل زاد ترامب في حديثه إنه لو كان في سد الحكم لما قامت الحرب من الأساس.!

حديث ترامب الذي اعتبره البعض حينها أنها محاولة من مرشح الحزب الجمهوري لكسب تأييد شريحة جديدة من الأمريكيين الرافضين لاستمرار الحرب بين أوكرانيا وروسيا تحول إلى خطة عمل بعد تولي ترامب المناصب رسمياً،

فلاديمير بوتين وحرب أوكرانيا
فلاديمير بوتين وحرب أوكرانيا

ففي 12 من فبراير 2025 أجرى ترامب اتصالاً بالرئيس الروسي تطرقا فيه إلى الحرب على أوكرانيا في ظل رغبة قوية لدى الرئيس الأمريكي لوقف هذه الحرب التي يراها كلفت كل من موسكو وكييف الكثير من الخسائر سواء البشرية أو المادية وأيضا خسرت بها واشنطن عشرات المليارات من الدعم المقدم لأوكرانيا

وبعكس ما كانت تنظر الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة الرئيس السابق جو بايدن الذي كان ينظر إلى هذه الحرب بأنها فرصة لإعادة قيادة الولايات المتحدة لأوروبا وحلف الناتو وترسيخ مبدأ الهيمنة الأمريكية  في نفس الوقت مزيد من الاستنزاف لروسيا في هذه الحرب.

ومن هذه الزاوية بارك ترامب الوساطة التي تقوم بها المملكة العربية السعودية بين روسيا وأميركا لوقف الحرب في أوكرانيا ونشر على حسابه على منصة أكس واعتبر أن هذه الخطوة هامة ويمكن من خلالها حل الأزمة.

ومن الملاحظ في هذه الخطوة أن رغم أن الأزمة بين أوكرانيا ومن ورائها أوروبا وبين روسيا إلى أن الرئيس الأمريكي ذهب بعيداً في التواصل مع الروس متاجهلاً أوكرانيا التي يعقد أنها غير قادرة على لعب أي دور دون الحلفاء الأوروبيين والولايات المتحدة.

وينظر ترامب إلى المملكة العربية السعودية كوسيط محايد بعيداً عن دول أوروبا الغربية التي يعتقد بوتين وترامب أيضاً أنها طرف في هذا الصراع، كما أن أيضاً للرياض علاقة جيدة مع موسكو في ظل التعاون بينها ضمن تحالف الدول المصدرة للنفط “أوبك” .

ومن ثم يمكن أن تحقق هذه الوساطة اختراقاً كبيراً لهذه الأزمة ويكون ترامب قد حقق ما وعد به قبل وصوله للحكم بأنه يمكن أن يحل هذا الخلاف في جلسة واحدة.

وفي إطار سعيه لإنهاء الصراع، مارس ترامب ضغوطًا كبيرة على أوكرانيا للموافقة على تسوية مع روسيا تتضمن تنازلات إقليمية. تضمنت هذه الضغوط اقتراحات بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في أوكرانيا بحلول نهاية العام،

وحتى في ظل استمرار النزاع، ووصف ترامب نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأنه “ديكتاتور”، منتقدًا استمراره في قيادة البلاد دون انتخابات، ومتهماً إياه بارتكاب “أخطاء كارثية” في إدارة الحرب مع روسيا.

كما تم تقديم مقترحات تتعلق بمنح حقوق استثمارية في الموارد المعدنية الأوكرانية للولايات المتحدة مقابل الحصول على دعم عسكري.

هذا النهج الجديد من الإدارة الأمريكية أثار قلق الحلفاء الأوروبيين وأدى إلى توتر داخل حلف الناتو، حيث اعتُبر تجاوزًا للدور الأوكراني وتقويضًا لسيادتها واعتبره البعض أيضاً تعزيزًا لموقف روسيا وتقويضًا للوحدة الأوروبية والأطلسية.​

    مستقبل الصراع بعد وصول ترامب؟

ومن المهم الإشارة إلي أن التغير في الموقف الأمريكي من الحرب بين روسيا وأوكرانيا قد يلقى بظلاله على الكثير من الملفات وخاصة تلك المرتبطة بوحدة حلف الناتو أمام الأخطار الروسية على دول الحلف القريبة من موسكو.

فكما تم الذكر سلفاً فإن ترامب لا يعتبر أن هذه الحرب ضرورية للولايات المتحدة ومن ثم لا يجب استمرار الدعم المالي والعسكري لها مما يعني القبول بصيغة ما توقف الحرب حتى لو كان ذلك على حساب أوكرانيا وحلفائها الأوروبيين .

ومن المتوقع أن يجبر ترامب أوكرانيا على وقف الحرب والدخول في صفقة مع روسيا وهذا سوف يعزز مكانة روسيا في المنطقة خاصة إذا واقف كييف على التنازل عن  المناطق الأربعة التي ضمتها روسيا في 2022 وهي لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزابوريجيا.

ويجمع المراقبون أن هذه المناطق ستعيد رسم خريطة المنطقة من جديد كونها باتت أرض روسية بعد ضمها قبل 3 سنوات من ثم لا يمكن التنازل عنها وهذا ما يريده بوتين منذ اندلاع الحرب، فهو لا يريد احتلال أوكرانيا بالكامل لكن يريد أن يمنع انضمام دول أوروبية جديدة لحلف الناتو مما يهدد الأمن القومي لروسيا.

أما في حال رفض أوكرانيا للرؤية التي يقترحها ترامب فإن الولايات المتحدة ستدفع في اتجاه تقليص الدعم الأمريكي لكييف الذي سيمنح موسكو فرصة لتعزيز مكاسبها الميدانية وإجبار أوكرانيا على تقديم تنازلات توقف أو الحرب .

أو قد تلجأ روسيا إلى تصعيد عسكري محدود لفرض أمر واقع جديد على الأرض وهو ما حدث خلال الأيام الماضية إذ نجت روسيا في إعادة السيطرة على بلدتي بيتروبافلوفكا وفريميفكا في جمهورية دونيتسك التي أعلنت انضمامها لروسيا عام 2022.

وعلى الجانب الأوروبي لا تتفق دول الحلف مع رؤية الرئيس الأمريكي وتعتبر أن القبول بالتسوية مع روسيا دون الانسحاب من الأراضي الأوكرانية هزيمة لكييف ومن وراءها الحلف برمته .

فلذلك من المتوقع أن تزيد الدول الأوروبية من دعمها لأوكرانيا، في محاولة لتعويض أي تراجع أمريكي وهذا قد يؤدي إلى توترات داخل الناتو بين الدول الراغبة في مواصلة دعم أوكرانيا، وتلك التي تسعى إلى تهدئة الصراع.

لم يقف تأثير رؤية ترامب للحرب في أوكرانيا على أوروبا فقط إنما سينحسب ذلك على النظام العالمي بالكامل فقد يؤدي تخلي واشنطن عن أوكرانيا إلى تآكل الثقة في الالتزامات الأمنية الأمريكية عالميًا، مما يشجع قوى أخرى مثل الصين على اتخاذ خطوات مماثلة في مناطق نفوذها مثل تايون وأيضاً قد يثير نزاعات كامنة مثل الخلاف بين الكوريتين وشبه القارة الهندية.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights