هذه احتمالات اشتعال مواجهة عسكرية بين تركيا والكيان حول سوريا

خلط سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر 2024 على يد هيئة العلميات العسكرية السورية بقيادة أحمد الشرع الملقب ب”أبو محمد الجولاني” سابقاً الأوراق في سوريا والمنطقة بالكامل.
ومثلما تسبب هذا التطور في غياب فاعلين هامين مثل إيران ومن ورائها حزب الله والفصائل الشيعية تسبب أيضاً في ظهور فاعلين جدد في المشهد السوري مثل هيئة تحرير الشام ومن ورائها تركيا التي وجدت ضالتها في سقوط نظام الأسد.
على الطرف الآخر لم تكن إسرائيل سعيدة بما حدث لنظام بشار الأسد فبعد سقوط العاصمة السورية دمشق بساعات، قصف الطيران الحربي الإسرائيلي مواقع عسكرية سورية ودمر عدد كبير من مخازن الأسلحة حتى لا تسقط في يد من سماهم “العناصر الجهادية”

لم يتوقف القلق الإسرائيلي عند هذا فحسب بل قام الجيش الإسرائيلي بعملية عسكري أطلق عليها اسم “سهم باشان”، حيث توغَّلت إسرائيل داخل المنطقة العازلة والقنيطرة وجبل الشيخ، بذريعة إنشاء منطقة عازلة بين الأراضي السورية وهضبة الجولان السوري المحتلة
وهي المرة الأولى منذ 50 عامًا التي تعبر فيها قوات إسرائيلية السياج الحدودي السوري، محتلة أراضي سورية جديدة، بعد اتفاقيات وقف إطلاق النار في 31 مايو 1974.
الأمر هذا تكرر مرات عديدة منذ سقوط نظام الأسد عدة مرات على الرغم من التنديد عربي والإقليمي الملحوظ، لكن هذا التنديد لم يثن إسرائيل على ضرب أهداف بعينها والتلويح بالاستمرار في العمليات العسكرية “خوفاً من انتشار الجيش السوري الجديد في المناطق القريبة من الحدود مع إسرائيل” على حسب ما يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلا أن الأمر أكبر من ذلك.
طوفان الأقصى وسقوط نظام الأسد.
قبل وقوع عملية طوفان الأقصى بنحو أسبوعين وعلى هامش الدورة 78 للأمم المتحدة التقى الرئيس التركي أردوغان برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في نيويورك وكان الجميع يتوقع توقيع اتفاقية هامة في مجال الطاقة بين أنقرة وتل أبيب،
لكن باغت طوفان الأقصى الجميع في السابع من أكتوبر 2023، ودخلت العلاقة مرة أخرى في التوتر والتصعيد على المستويين الشعبي والرسمي بين تركيا وإسرائيل.
لكن هذه المرة مصحوبة بتغيرات استراتيجية كبيرة ليس فقط بسبب ما أحدثته عملية طوفان الأقصى من خلل في المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية والتي أصبحت مكشوفة بشكل غير مسبوق أمام دول الإقليم
لكن أيضاً بسبب حالة الهلع لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أجل استعادة سياسة الردع القديمة كاشفاً عن نظرته الجديدة للشرق الأوسط والتي جعلت الجميع في خانة الأعداء بالنسبة له وأثارت العديد من القلق لدى دول الجوار مثل مصر والأردن والمملكة العربية السعودية.

هذا التغير الكبير في سوريا لم يكن يصب في صالح إسرائيل استراتيجياً ولو كان هذا التغير يعد مكسباً لها على المستوى التكتيكي، فبسقوط نظام الأسد وجُهت ضربة كبيرة لإيران وحزب الله
حيث كانت سوريا محطة هامة في خط إمداد حزب الله بالسلاح وهذا كان يزعج بالطبع إسرائيل كما أبعد ذلك المليشيات المتعاونة مع إيران من سوريا وهذا أيضاً مرحب به إسرائيلياً، لكنه أوصل فصائل سنية مسلحة إلى الحكم في سوريا لديها نفس العداء مع إسرائيل خاصة في ظل وجود أرضي سورية محتلة مثل الجولان المحتل منذ عام 1967 واحتلال أراضي سورية جديدة بعد سقوط نظام الأسد.
أهداف تركيا من سوريا الجديدة؟
قبل أشهر على سقوط نظام بشار الأسد، سعت تركيا بشكل كبير إلى تطبيع العلاقات مع النظام السوري بسبب التغيرات الإقليمية الهامة مثل طوفان الأقصى وأيضاً التطبيع العربي مع نظام بشار الأسد وعودة دمشق إلى الجامعة العربية، فوجدت تركيا من الواجب العودة خطوات إلى الوراء وعودة العلاقات مع نظام الأسد على مبدأ تبادل المصالح.
فتركيا لديها العديد من المصالح الداخلية والخارجية المرتبطة بالملف السوري، فأزمة اللاجئين السوريين في تركيا أصبحت مشكلة كبيرة لحزب العدالة والتنمية داخلياً والتي بسببها وعوامل أخرى خسر الحزب في الانتخابات المحلية الأخيرة بلديات كبرى مثل إسطنبول وأنقرة وأزمير، ناهيك عن المماحكات مع أحزاب المعارضة بهذا الملف.
أيضاً على المستوى الخارجي وجدت تركيا نفسها في مأزق كبير بسبب الملف السوري فالتواجد الإيراني الكبير في سوريا إبان نظام الأسد لم يكن أمر مريحاً بالنسبة لتركيا في الوقت نفسه التنامي الكبير لقوات سوريا الديمقراطية الكردية “قسد” ذات النزعة الانفصالية والمرتبطة بالنسبة لتركيا بحزب العمال الكردستاني أصبح مشكلة كبيرة لا يمكن تجاوزها
وربما هذا ما دفع تركيا للقيام بعمليات عسكرية في الشمال السوري وفرض مناطق آمنة بالقرب من الحدود خوف من التمدد الكردي. كل هذه العوامل دفعت تركيا للتقارب مع نظام الأسد، لكن هذا لم يتحقق.
احتمالات اندلاع حرب بين تركيا وإسرائيل
تستند هذه الورقة على سيناريوهين هامين يخصا العلاقة بين إسرائيل وتركيا في ظل الأوضاع السياسية الجديدة الت
السيناريو الأول بحسب ورقة مركزأمد للدراسات على أن التطورات الحالية قد تدفع الطرفان إلى المواجهة العسكرية الشاملة لعدد من الأسباب أولها الصراع على النفوذ في سوريا:
حيث أن الوضع الجديد في سوريا ورغبة تركيا في بسط نفوذ لها سوف يثير بالتأكيد حفيظة إسرائيل التي لا ترى في هذا التواجد مصلحة لها بل بالعكس فهو تهديد كبير لا يمكن تجاوزخلفه سقوط النظام
السيناريو الأول بحسب ورقة مركزأمد للدراسات على أن التطورات الحالية قد تدفع الطرفان إلى المواجهة العسكرية الشاملة لعدد من الأسباب أولها الصراع على النفوذ في سوريا:
حيث أن الوضع الجديد في سوريا ورغبة تركيا في بسط نفوذ لها سوف يثير بالتأكيد حفيظة إسرائيل التي لا ترى في هذا التواجد مصلحة لها بل بالعكس فهو تهديد كبير لا يمكن تجاوزه
فإسرائيل تدرك الخلفية السياسية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان فهو يعد من أبرز القادة الإسلاميين في المنطقة وموقفه وبلاده من الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل معروف، فحتى الآن تستقبل أنقرة قادة حركة حماس التي تشن إسرائيل عليها حرباً في غزة بلا هوادة منذ عام ونصف .
وهذا يعني الكثير بالنسبة لإسرائيل التي لا تريد أي تواجد تركي بالقرب منها نظراً لقوة الجيش التركي وأيضاً حالة الغضب الشعبي التركي من إسرائيل بسبب الأوضاع في غزة لذا اقترب النفوذ التركي من مناطق تهم إسرائيل (مثل الجنوب السوري)، فقد يؤدي ذلك إلى توترات عسكرية بينهما قد يصل إلى حرب شاملة.
كما أن الدعم الذي تقدمه تركيا للحكومة الجديدة ذات الخلفية الإسلامية في سوريا يمثل أزمة بالنسبة لإسرائيل، وإذا رأت تل أبيب أن هذا الدعم يشكل خطرًا عليها، فقد تحدث احتكاكات استخباراتية أو عمليات سرية.
يعد من أهم ملفات التوتر الصراع على موارد الغاز في شرق المتوسط إذ لدى تركيا وإسرائيل مصالح متضاربة في ملف الغاز، وإذا تداخلت عملياتها البحرية قد تحدث احتكاكات، لكن ذلك سيبقى محصورًا في المجال الدبلوماسي أو العمليات البحرية المحدودة لكن ربما يتحول إلى تطور عسكري.
كذلك من عوامل التوتر بين البلدين شن إسرائيل ضربات جوية غير مقصودة أو استهداف غير مباشر فمنذ سقوط نظام الأسد تنفذ إسرائيل تنفذ ضربات في سوريا ضد أهداف عسكرية بحجة الحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي، لكن حال أصاب هذا القصف أهدافًا تركية بالخطأ، فقد يؤدي ذلك إلى أزمة دبلوماسية أو رد عسكري محدود من تركيا.
سيناريو عدم ترجيح الحرب
ويستند هذا السيناريو على مجموعة من العوامل التي قد تمنع نشوب حرب بين تركيا وإسرائيل رغم الخلافات العميقة بينهما ويتحول الأمر إلى الصراع المكتوم بينها بسبب الوضع في سوريا ومنها:
فرغم الخلافات السياسية، تستمر العلاقات التجارية بين البلدين، حيث بلغ التبادل التجاري 7 مليارات الدولارات عام 2023، ما يجعل أي صراع مباشر مكلفًا لكلا الطرفين.
ومما يقلل من احتمالات اشتعال الحرب عدم وجود حدود مباشرة بينهما فتركيا وإسرائيل لا تشتركان في حدود برية، مما يجعل احتمال نشوب حرب تقليدية بينهما أقل احتمالًا مقارنة بالدول المجاورة لإسرائيل مثل سوريا أو لبنان على الرغم من نية تركية إقامة قواعد عسكرية لها في سوريا خاصة في الجنوب
كما تلعب التحالفات الدولية للبلدين دورا في استبعاد الحرب حيث تعد تركيا عضو في حلف الناتو، مما يعني أن أي مواجهة عسكرية كبيرة مع إسرائيل قد تخلق أزمة دولية، خاصة إذا تدخلت الولايات المتحدة أو القوى الأوروبية ومن ثم يمكن الضغط على الطرفين من أجل عدم التصعيد.
ورغم الخلافات المتصاعدة بين تركيا وإسرائيل بسبب الوضع الجديد في سوريا، فإن احتمال اندلاع حرب شاملة بينهما لا يزال ضعيفًا. لكن في حال استمر التوتر، فقد يشهد الشرق الأوسط موجة جديدة من الصراعات غير المباشرة بين القوتين الإقليميتين