هذه احتمالات انخراط إدارة ترامب في مباحثات مع النظام الإيراني لتسوية الملف النووي
أظهر المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران، آية الله علي خامنئي، تصلبا في خطابه للأمة يوم الجمعة، حيث تساءل عن كيفية قدرة إيران على الوثوق بالرئيس الأمريكي الجديد الذي سبق أن عزلها وفرض عليها عقوبات اقتصادية.
لكن اللافت بحسب تقرير لمركز أمد للدراسات السياسية في الخطاب أن خامنئي لم يستبعد بشكل صريح إمكانية إجراء محادثات مع الولايات المتحدة، بعد أن أرسل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا الأسبوع أقوى إشارة حتى الآن إلى أنه يرغب في التواصل المباشر مع طهران.
ويبدو أن الزخم الآن يميل لصالح أنصار الدبلوماسية بدلاً من الجنرالات في الحرس الثوري الإيراني، ومع تراجع قوة الحلفاء الإقليميين لإيران -بسبب الضربات الإسرائيلية- وتفاقم التحديات الاقتصادية للنظام،
بل وأصبح كبار المسؤولين والمشرعين في إيران قلقين بشكل متزايد بشأن النقص الحاد في الاستثمارات الأجنبية، وبدأ بعضهم دأ يدعو علنًا إلى إجراء محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة.
طهران و تغير الواقع
تتنافس القوى العالمية على إعادة تشكيل الشرق الأوسط بعد وقف إطلاق النار في غزة ولبنان، وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وستعتبر الكيفية التي ستستجيب بها إيران أمرًا حاسمًا بالنسبة للمنطقة.
فبالنسبة لخامنئي، الذي وقع على مضض الاتفاق النووي لعام 2015 قبل أن يمزقه ترامب لاحقًا، قد تكون الدعوة الأمريكية للتصالح قد أتت في التوقيت المناسب، طالما أن إيران بإمكانها التأكد من أنها لن تؤدي إلى اتفاق آخر كارثي.
في هذا الصدد، قال “والي نصر” المستشار السابق لوزارة الخارجية الأمريكية وأستاذ الدراسات الدولية والشرق أوسطية في جامعة جونز هوبكنز، إن خامنئي شخص براجماتي وسيكون عليه البحث عن حلول دبلوماسية لتأمين احتياجات إيران الأمنية.
فحلفاء إيران وفقا لدراسة أمد في شرق البحر المتوسط، بما في ذلك حزب الله، حماس، وقوات بشار الأسد في سوريا، أصبحوا إما ضعفاء للغاية أو انتهوا تمامًا، أي أن ما يسمى بمحور المقاومة بات في حالة انهيار.
فيما تواجه حكومة الرئيس مسعود بزشكيان، وهو سياسي معتدل، واقعًا سياسيًا مختلفًا تمامًا مقارنة بما كان عليه الإصلاحيون في عام 2021، عندما تم إنهاكهم بفعل سياسة الضغط الأقصى التي انتهجتها إدارة ترامب خلال ولايته الأولى.
وقد صرح وزير الخارجية الإيراني الأسبق “محمد جواد ظريف” الذي يشغل الآن منصب نائب الرئيس للشئون الاستراتيجية، خلال منتدى دافوس الاقتصادي العالمي في الثاني والعشرين من يناير، إن الوقت قد حان للمضي قدمًا، وأن إيران يمكنها التحرك بناءً على الفرص بدلاً من التهديدات.
وأشار ظريف إلى أن العمل كان جاريا مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن لحل الأزمة النووية، لكن الحكومة الإيرانية فوجئت بهجوم حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر، مما أدى إلى إلغاء اجتماع كان مقررًا مع المسؤولين الأمريكيين.
ونبه إلى أن ذلك دمر المجال الدبلوماسي لإيران، وأن هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها الجهود الدبلوماسية الإيرانية لضربة بسبب التطورات العسكرية.
أشار ترامب، يوم الأربعاء، إلى أنه قد يتخلى عن تكتيكات الماضي ويخفف من نهجه تجاه إيران، قائلاً إنه يريد التوصل إلى اتفاق نووي يسمح لإيران “بالنمو والازدهار سلميًا”،
وكان ذلك في نفس اليوم الذي أثار فيه غضبًا عالميًا عندما أعلن أن الولايات المتحدة ستتولى السيطرة على قطاع غزة وتنقل سكانه الفلسطينيين إلى أماكن أخرى ليتم بناء منطقة سياحية هناك، تلك التصريحات التي قوبلت بإدانات واسعة.إشارات ترامب تعزز المنطق الدبلوماسي
وفي منشور على منصته الاجتماعية “تروث سوشيا” قال ترامب “أريد أن تكون إيران دولة عظيمة وناجحة، ولكن دون امتلاك سلاحًا نوويًا”. كما أضاف أن التقارير التي تفيد بأن الولايات المتحدة، بالتعاون مع إسرائيل، ستدمر إيران بالكامل “مبالغ فيها إلى حد كبير”، مؤكدًا ضرورة البدء في العمل على اتفاقا فوريًا.
وقد مثلت هذه التصريحات تحولًا كبيرًا عن الطريقة التي كان يخاطب بها ترامب الجمهورية الإسلامية في السابق، وقد يفسر ذلك ما ذكره ظريف في دافوس عن أن المسؤولين المتشددين الذين صاغوا سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران في ولاية ترامب الأولى لم يعودوا في المشهد.
وعلى الرغم من فرض ترامب عقوبات جديدة استهدفت عددًا من السفن التي تحمل النفط الإيراني، إلا أن هذه العقوبات، وفقًا للمحللين وشركات الشحن، لم تكن بمستوى العقوبات الشديدة التي كان يتم التهديد بها سابقًا.
حيث قالت “إيلي جيرانمايه” كبيرة الباحثين ونائبة رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن تصريحات ترامب تشير إلى أنه لا يريد فرض أقصى درجات الضغط بشكل فوري، بل يريد منح بعض الوقت لتحقيق انفراجة دبلوماسية، وأضافت أن الكرة الآن في ملعب طهران للتحرك، لكن الفرصة قصيرة الأمد.
الضغوط على إيران نحو التهدئة
تصريحات خامنئي يوم الجمعة تهدف إلى تهدئة مؤيديه الأساسيين، الذين يشكلون الركيزة الأساسية لاستمرار النظام، إلى جانب المتشددين الذين يهيمنون على المؤسسات الرئيسية مثل الحرس الثوري والقضاء.
ويعتبر تشديد خامنئي على أن ترامب سبق أن انسحب من الاتفاق النووي، إشارة إلى أنه يتوقع ضمانات مسبقة من البيت الأبيض بأن الولايات المتحدة لن تلتزم فقط بكلمتها، بل ستجعل تخفيف العقوبات أمرًا دائمًا.
ويعد وجود رئيس معتدل في السلطة- انتُخب في تصويت مفاجئ بعد مقتل سلفه المتشدد في حادث تحطم مروحية- يعكس أيضًا حقيقة أن النظام لم يعد قادرًا على تحمل العزلة الاقتصادية في وقت يواجه فيه أزمة في البنية التحتية وتراجعًا في شعبيته.
في اجتماع مع السفراء الأجانب في طهران يوم الخميس، كرر “بزشكيان” أن إيران لا تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية، وأن ذلك يتعارض مع العقيدة الإيرانية ضد أسلحة الدمار الشامل،
وفقًا لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية. ولم يكن من الواضح ما إذا كان حديثه موجهًا مباشرة إلى تصريحات ترامب، لكنه أشار ضمنيًا إلى دعوة الرئيس الأمريكي لاتفاق نووي “مُحقق منه”، عبر تأكيده أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية مرحب بها لفحص الأنشطة النووية الإيرانية.
![](https://alomah.net/wp-content/uploads/2024/07/inbound5590421968069217263.webp)
ومنذ انتخابه، جعل بزشكيان تخفيف العقوبات أولوية، وبغض النظر عما يقوله خامنئي، فإن السبيل الوحيد لتحقيق ذلك هو استئناف المحادثات مع الولايات المتحدة، مما سيوفر شريان حياة اقتصاديًا يحتاجه الإيرانيون بشدة.
وفقًا لولي نصر، فإن إضعاف إسرائيل لشبكة حلفاء إيران في بلاد الشام شكل ضربة قوية للمتشددين الإيرانيين مثل سعيد جليلي، المنافس الرئيسي لبزشكيان في انتخابات الرئاسة الصيف الماضي، والذين يدعون إلى مواجهة صارمة مع الولايات المتحدة جلبت المزيد من العزلة لإيران.
لكن لا يوجد ضمان بأن الخصمين اللدودين، اللذين قُطعت العلاقات الرسمية بينهما منذ الثورة الإسلامية عام 1979، سيصلان إلى اتفاق. كما أنه من غير الواضح كيف يمكن لإيران أن تتوصل إلى أي تفاهم مع الولايات المتحدة بينما يتحدث ترامب عن السيطرة على غزة ويقضي على أي فرصة لقيام دولة فلسطينية مستقبلية.
وقد سخر المتشددون الإيرانيون من تصريحات ظريف في دافوس وانتقدوا حكمته في القيام بهذه الزيارة، ومن المرجح أن يستمروا في محاولاتهم لتعطيل جهوده وجهود بزشكيان لإحياء الاتفاق النووي
قال فؤاد إيزادي، الأستاذ المساعد في كلية الدراسات العالمية بجامعة طهران، إن القادة الإيرانيين قد يكونون مستعدين للتفاوض إذا شعروا بوجود فرصة ولو ضئيلة لتغير في السلوك الأمريكي، لكنه أضاف أن ترامب يستخدم هذا الأمر فقط كاستعراض سياسي، وأن القادة الإيرانيين لن يمنحوه هذه الفرصة