هذه احتمالات تعاون القوي الغربية في تعويم الانتقال الديمقراطي بسوريا
تقاطرت الوصفات والنصائح منذ الثامن من ديسمبر، على قيادة العهد الجديد في سوريا، بعد نجاح الثورة في إسقاط الأسد، وبعض هذه الوصفات جاءت من دول أو أجسام كانت خارج إطار الثورة، وبعضها من الداخل من خلال بعض الإطارات المدنية، لكن ذات هذه الإطارات تختلف لديها خطط المرحلة الانتقالية وسقفها،
ووفقا لتقرير لمركز أمد للدراسات السياسية وبالتالي فإن القوي السياسية ليست على درجة واحدة من الإخلاص، لمستقبل الثورة، كما أن خطاب الإتحاد الأوربي والدوائر الأمريكية، المتشدد ضد حكومة الثورة، يطرح قضية الأقليات بتعبيرات شرسة، وكأنما الضحية الكبرى، لم يكن من سنة سوريا، وإنما كان السُنّة هم الجناة.
في إطار التعبيرات السياسة الحاشدة، فلم يعد الأمر هنا تعبير مذهبي، ولكن تكييف سياسي، تعتريه فوضى عارمة، تختلط لديها التوصيفات، بين الجُناة والضحايا، ولذلك سمعنا وقرأنا، لعدة أقلام وأصوات سورية من غير السُنة، تعترض على هذا الزخم الوقح، والتنمر في بعض تعبيراته على سُنّة سوريا، الذين لم تندمل جراحهم بعد، بل لم يقف نزفها، حيثُ لم تصل اللجان والأهالي لقصة كل المآسي بعد.
وهذا كله لا ينفي أن ضرورات الدستور والعقد الاجتماعي، والعبور الى دولة حديثة تعود الى الحياة بعد فراغ ضخم، لأكثر من 5 عقود، ولا ينفي أخطار أي روح صراع أهلية، قد تهدد الثورة وكل أطياف سوريا، مالم تندمج الثورة والمجتمع في صناعة الوطن الجديد.
غير أن بعض هذه الوصفات ذاتها، هي في الحقيقة قد تكون مهددة للسلم الأهلي في سوريا، وانتخاب مصطلح الانتقال الديمقراطي ذاته، وتصديره كمرجع مُقدّس محسوم للإنقاذ، هو بذاته خطاب بربوغندا صاخبة، لا يقوم على مصداقية مرجعية للقياس، رغم أن أروقة الأمم المتحدة، وتجاربها تحت إدارة الدول الغربية تضج به.
فواقع التجارب تحت هذا المصطلح في عالم الجنوب، له صور مأساوية دموية مفجعة، ليس لرفض تحقيق سيادة الشعب، وضمان السلطات الحقوقية الدستورية، ولكن من حيث نقض بنية المجتمع ذاته وتمزيقه، من خلال ثقافة التفتيت ثم التكوين المضطرب، ثم تركها تتصارع حتى تسقط المرحلة الانتقالية، في بحر دموي وفي فوضى واسعة، لا يجد فيها الفرد مستقراً ولا حياة.
ولذلك سخّر بول كاغاما، الزعيم الرواندي، الذي ثبّت السلم الأهلي في رواندا بعد تاريخ مهول للمذابح، من النظم الغربية المعلبة التي تُصدّر الى انسان افريقيا، وحرر رؤيته التطبيقية من هذه القداسة ثم نجح حسب الأرقام، وحسب المعطيات في خلق وطن بديل، تتصدر فيه رواندا السلم لدول عديدة، وتتقدم في الأمن والمشاركة الشعبية والنهضة المدنية.
ومن المهم الإشارة إلي أن دفع الغرب للانتقال الديمقراطي، هو في الحقيقة مدخل ضخم لخطط المنظومة العالمية الشمالية، لسحب قدرات الاستقلال من هذه الدول الناشئة، بعد الاستقلال أو بعد ثورة تحرر من نظم متوحشة.
بل إن حتى منظومات الحكم الطائفي، ونظام الأسد نموذجاً، هي في الحقيقة هياكل كانت تضمن للغرب، صناعة الانقسام في الذات الوطنية، وتسليط نماذج الشذوذ النازية، على مجتمعاتها، كي تفتك ببقية المجتمع على أساس أقلوي عنصري أو طائفي، وهذا يكفي لضمان تقييد حرية الشعب، نحو نهضة فارقة تهدد مصالح الغرب.
وكل ذلك لا يلزم منه، أن يمتدح الغرب هذه النظام أو ذاك، ولا يبدو أنهُ حليفاً له بالضرورة، ولكن منهجية التوحش السياسي والدموي، يراها الغرب برزخ من المهم أن تنشغل به هذه الدول، عبرّ استثمار الفوضى الخلّاقة في نماذج الاستبداد المتعددة.
وف هذا السياق فإن دفع سوريا وكأنها عاشت حرباً أهلية، بدأت باعتداءات اجتماعية ومذابح على أساسها، لا ثورة حقوق سياسية، هو تضليل كبير في التشخيص والمعالجة، فهنا ثورة حقوق بغض النظر عن اختلاف أطيافها، لم تخرج الا لانتزاع حق الكرامة الآدمية، ودولة القانون الدستوري التي تحترم الفرد ولا تسحقه، ولذلك أضحت كلمات الساروت ولحنه اليوم، نشيدُ الحرية الجديد لكل السوريين بكل طوائفهم، وهو اليوم في رمزية إنسانية تذكر بالشخصية النضالية العالمية اليسارية تشي غيفارا.
ولا يغيب عنا في هذا السياق إن المؤتمرات التي تفرضها خارطة الانتقال الديمقراطي، هي في حقيقتها تفترض الصراع على أساس الهوية الدينية والقومية، وتجمعهم لمناقشة الخروج من صراع قائم، تفترضه هذه الانتقالية، وتُعزّز قصة التكتل الاجتماعي المتصارع، الذي كان النظام يسقيها، ويستثمرها.
في حين أن الانتقال الوطني الإستراتيجي، يؤمن السلم الأهلي أولاً على الأرض، ويُنظّم مؤسساته ثم يعبر الى الحوار الوطني، والتوافق الدستوري.
ولسنا هنا نزكّي برنامج الحكومة الانتقالية، أو مسارات القائد العام للثورة أحمد الشرع بالمطلق، لكن يظهر لنا بجلاء أن منهجية المنظومة تسير في خطة نجاح، وخاصة تدشين فرق الأمن والاحتياجات المدنية والمعيشية، التي انتشرت بقوة وبحيوية، في كل المدن والأرياف السورية، وهذا لا يعني عدم وجود أخطاء أو زلات، ولكن ما تحقق على الأرض مثير للدهشة، ويطرح تساؤلاً ايجابياً كبيراً عن قيمة تجربة رحلة ادلب، التي استثمرها الشرع جيدا.
ولا يغيب عنا في هذا السياق الإشارة إلي إن تعويم الانتقال الديمقراطي في نموذجه الغربي، لقضية العدالة الانتقالية، أمام مجاميع ضخمة من مجرمي الحرب، الذين تجاوزوا كل حدود الجريمة والبغي المتوحش، وإخضاع الاعتقال والمسائلة الى حالة سيولة تمتد لسنوات
وخلال هذه السنوات تتحول فيها جزء من منظومات الإرهاب التي وظفها الأسد، الى ضلع شريك في الدولة الحرة، تعني بقاء الكارثة ومنع القصاص العادل، الذي يُطفئ لهيب الشر، فيما الانتقال الاستراتيجي، الأمني الوطني الحقوقي، يعبر الى دائرة التحاكم والتنفيذ، المحقِّق للعدالة، حين تُستوفى شروط الإدانة واستحقاق العقاب.
وعليه ترتد منظومة القصاص لصالح الشعب، والعلاقات المجتمعية، لتأمين السلم الأهلي، وتتجاوز ذالك التاريخ المر الأسود، وهذا يُدمج في مسار موازي مع المصالحات الاجتماعية، ومواسم العفو التي تنظمها الدولة في شراكة المجتمع الأهلي،
فالغالبية العظمى، كان موقفها سياسي أو ثقافي وليس جنائي جرمي، والحالات السياسية، تحتاج الى فرز دقيق تُظهر فيه المسؤولية المباشرة لقوائم المحاكمة، أما البقية فيُفترض أن يشملهم العفو العام.
و نُذكّر هنا بقضية مهمة وحساسة، وهي أن الانتقال الديمقراطي يَدمج مرحلته في صراع الدولة الشرعية، مع خارطة الانفصال الموروثة، من نظام الأسد، والمتقاطعة مع المشروع الإسرائيلي المركزي أو الغربي، فتُحيّد الدولة الشرعية، وتُمنع من حماية الجغرافيا السياسية لوطنها، وتَترك الباب مفتوحاً للرعايات والتدخلات الدولية.
فهنا يُفتح البلد على شرذمة واسعة، تؤسس للتقسيم، بينما الانتقال الاستراتيجي الوطني، يُنظم مشروع صعوده في اتجاهات موازية، يخدم بعضها البعض لأمن الناس ومعيشتهم وحقوقهم، حينها تحين لحظة الانتخابات والمشاركة الشعبية، وتؤسس قاعدة الوطن الجديد القوي، قبل أن يُسقط ربيعه الثورة المضادة الغربية والعربية