الأحد يوليو 7, 2024
تقارير

هذه تداعيات مقتل رئيسي  على السياسة الخارجية الإيرانية والمنطقة وحرب غزة

عقب الإعلان الرسمي عن وفاة الرئيسي الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين عبداللهيان جراء تعرض المروحية لحادث وهي في طريق العودة إلى مدينة تبريز من أجل تدشين مشروع تحسين جودة مصفاة تبريز، وتحطمت في غابات ديزمار الواقعة بين قريتي اوزي وبير داود بمنطقة ورزقان في محافظة أذربيجان الشرقية شمال غرب إيران،

وبعد وقوع هذا الحادث أُثيرت العديد من التساؤلات بشأن تداعيات الحادث على المشهد السياسي الإيراني داخليًا وخارجيًا، ومدى تأثير ذلك على السياسة الخارجية الإيرانية في ظل الوضع الإقليمي شديد التعقيد جراء الحرب الإسرائيلية على غزة، في هذا التقدير نستكشف تأثير رحيل الرئيس الإيراني على السياسة الخارجية الإيرانية وتعاطيها مع أبرز الملفات الإقليمية خاصةً الحرب على غزة.

الباحث بمركز أمد للدراسات السياسية   محمود مؤمن  اعد دراسة حاول تداعيات مقتل رئيسي علي السياسة الخارحية الإيرانية وأوضاع الإقليم وحرب غزة  قال فيها لاشك أن شخصية الرئيس تلعب دورًا هامًا في تشكيل السياسة الخارجية الإيرانية، فرغم أن المرشد الأعلى هو السلطة العليا في البلاد، إلا أن الرئيس يمتلك تأثيرًا كبيرًا في تحديد الأولويات والتكتيكات الدبلوماسية، ومن دلائل ذلك، انسجام السياسة الخارجية الإيرانية مع توجهات المرشد الأعلى منذ تولي إبراهيم رئيسي سدة الحكم 2021 في التوجه شرقًا وغض الطرف عن مفاوضات الاتفاق النووي مع دول الغرب، بخلاف سلفه حسن روحاني الذي تبنى توجهات خارجية تتعارض مع الخطوط العريضة للسياسة الخارجية الإيرانية خاصة التقارب مع الغرب.

ملامح السياسة الخارجية الإيرانية

وتعكس السياسة الخارجية الإيرانية منذ الثورة الإيرانية  عام 1979 مزيجًا من الدوافع الأيديولوجية التي أقرتها الثورة والإعتبارات البراجماتية السياسية، ويعتمد نهج إيران الدولي على ركائز رئيسية أبرزها:

استقلالية القرار السياسي: حيث تتمسك إيران بالسيادة الوطنية وترفض التدخلات الخارجية.دعم الحركات الإسلامية: إذ تدعم إيران حركات المقاومة الإسلامية مثل حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين.

مواجهة النفوذ الغربي: فتسعى إيران للحد من نفوذ الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.

ومن ثم ، فإن موت الرئيس الإيراني ووزير خارجيته – في لحظة حاسمة تعيشها إيران ومن حولها إقليم الشرق الأوسط – له تداعيات على ملفات عدة أبرزها:

أولًا: انتقال السلطة والاستقرار الداخلي فثمة اتجاهات ترى أن وفاة الرئيس الإيراني المفاجئ ستفتح المجال لصراع داخلي بين المحافظيين والإصلاحيين على الخلافة السياسية في ظل التركيبة السياسية المتشابكة لنظام الحكم في إيران، يعزز من هذه الرؤى وجود حالة من عدم الرضا والاستياء تجاه سياسات رئيسي من قبل خصومه السياسيين نتيجة لإقرار عدد من القوانين المثيرة للجدل والقمع الأمني للتظاهرات، فضلًا عن تردي الأوضاع الاقتصادية الذي ظهر في انخفاض قيمة العملة الإيرانية بنسبة 55% خلال ولاية رئيسي، أضف إلى ذلك احتمالية سعي خصوم خارجيين لاستغلال الأوضاع وتأجيج الصراع بين مختلف الأطراف.

ثم تمتد الدراسة لإعادة تقييم التحالفات والخصومات الإقليمية فقد تتغير ديناميات التحالفات والخصومات الإقليمية مع وفاة الرئيس الإيراني. فالرئيس الجديد قد يسعى إلى إعادة صياغة العلاقات مع الخارج – حليفًا أو خصمًا – بناءً على رؤيته وأولوياته، وينبني ذلك على الكتلة السياسة التي سينتمي إليها الرئيس الجديد، فعلى سبيل المثال، قد يتبنى الرئيس الجديد نهجًا مغايرًا تجاه الغرب.

ومن المعروف أن توجهات رئيسي قد أحدثت انفراجة في السياسة الخارجية الإيرانية وفتحت مسارات جديدة للعلاقات مع الغرب والولايات المتحدة ودول المنطقة خاصةً مصر والسعودية، فالرئيس الجديد قد يستكمل هذه المسيرة أو قد ينقلب عليها

كذلك يمكن أن يتبنى الرئيسي الجديد استراتيجة جديدة في دعم الحركات المناهضة لإسرائيل الأمر الذي قد يغير موازين القوى في العلاقة الخشنة بين إيران وإسرائيل، فضلًا عن إمكانية تأثر العلاقات مع دول الخليج التي تحسنت مؤخرًا لكن ظهور رئيس جديد يسعى لاسترضاء الجناح المتشدد في النظام الإيراني قد يؤدي إلى النكوص والتراجع عما حققه رئيسي في هذا الطريق.]

 

وعلي الصعيد الإقليمي بحسب الدراسة  تعتبر إيران لاعبًا رئيسيًا في الشرق الأوسط، حيث تمتد نفوذها إلى العراق، سوريا، لبنان، واليمن، وتعتمد في ذلك على شبكة من التحالفات مع الجماعات المسلحة والشبكات السياسية لتحقيق أهدافها الإقليمية، إلا أنه من المتوقع أن يؤثر غياب رئيسي وعبداللهيان على الحضور الإقليمي لإيران لما كان لهم من دور محوري في تعزيز هذا الحضور في العديد من القضايا الإقليمية أبرزها التوترات في سوريا والعراق واليمن والمواجهة المباشرة بين حزب الله في جنوب لبنان وإسرائيل على غرار الحرب على غزة.

ومن التداعيات المهمة في هذا السياق الملتهب  الحرب على غزة فمنذ السابع من أكتوبر وعقب عملية طوفان الأقصى، تشهد الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل عام وقطاع غزة حربًا شرسة من قِبل الاحتلال الإسرائيلي، وصفها البعض بالإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، وتعد إيران أحد الداعمين الرئيسيين للمقاومة الفلسطينية المتمثلة في حركة حماس والجهاد الإسلامي في غزة، ويعتمد الدعم الإيراني لهذه الحركات على تقديم التمويل والتدريب العسكري والأسلحة.]

جنازة رئيسي

وقد تؤثر وفاة الرئيس الإيراني على طبيعة الدعم الذي تقدمه إيران لحركات المقاومة الفلسطينية، فالرئيس الجديد قد يقرر تعزيز هذا الدعم كجزء من استراتيجية إيران الإقليمية التي تسعى لتوطيد الحضور الإيراني على خط المواجهة مع الإحتلال، فعلى الرغم من كون هذا النهج من ثوابت السياسة الخارجية الإيرانية إلا أنه قد يكون هناك تغيّرات على مستوى الخطابات والتفاعلات مع وكلاء إيران الداعمين للقضية الفلسطينية إذا كان الرئيس الجديد يتبنى نهجًا أكثر توازنًا في السياسة الخارجية ضمن مقاربات تسوية النزاعات والتقارب مع الغرب.

لذا فأي تغيير في مستوى الدعم الإيراني للمقاومة الفلسطينية يمكن أن يؤثر بشكل مباشر على قدرات الحركة في مواجهة إسرائيل، فتعزيز الدعم قد يؤدي إلى تصعيد الصراع لصالح المقاومة، بينما تقليصه قد يدفع حماس – بالتحديد – إلى البحث عن مصادر دعم بديلة أو إلى تبني استراتيجيات أكثر مرونة في تعاملها مع إسرائيل.

وتطرقت الدراسة للسيناريوهات المحتملة بعد وفاة رئيسي حيث تشير القراءة التحليلية لحادث وفاة الرئيسي الإيراني وبعض مرافقيه من أبرزهم وزير الخارجية الإيراني إلى وجود ثلاثة سيناريوهات لمدى تأثير الحادث على السياسة الخارجية الإيرانية فيما يتعلق بقضايا الإقليم والحرب على غزة:

السيناريو الأول: استمرار النهج الحالي فإذا تم انتخاب خليفة من نفس التيار المحافظ، فمن الممكن استمرار النهج الحالي للسياسية الخارجية دون تغيير جوهري من حيث الانخراط بفاعلية في قضايا الإقليم بل وزيادة صلاتها مع الجماعات المسلحة في مختلف الدول التي تشهد توترات وصراعات، فضلًا عن دعمها للدول الحلفاء واستمرار نهج التوجه شرقًا نحو روسيا والصين، بجانب استمرار دعم حركات المقاومة الفلسطينية في حربها المستمرة ضد الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر، وهذا السيناريو هو الأقرب إلى الواقع وفق معطيات المرحلة الحالية:

أما السيناريو الثاني فقد يتمثل في  تغيرات إصلاحيةخصوصا إذا جاء رئيس إصلاحي – وهو أمر وارد – قد تشهد إيران تغييرات جوهرية في السياسة الخارجية نحو انفتاح أكبر على الغرب بهدف التخفيف من الآثار الاقتصادية للعقوبات الأمريكية، وكذلك محاولة لاستيعاب التوترات مع دول الجوار بشكل عام والخليج بشكل خاص.

حرب غزة

ويعزز من هذا السيناريو وجود ملامح لهندسة جديدة للشرق الأوسط تتمخض من رحم الحرب القائمة حيث كشف الحادث عن مساحات مشتركة بين إيران والعديد من الدول العربية التي عبرت عن دعمها لإيران شعبًا وقيادة وأكدت استعدادها للمساعدة في عملية البحث عن طائرة الرئيس، هذه الروح تنبئ بمرحلة جديدة للعلاقات العربية الإيرانية نحو التعاون بهدف تعزيز سبل السلام والاستقرار في المنطقة

، ووفقا لدراسة مركز أمد فإن هذا السيناريو – بلا شك – يدفع باتجاه تراجع دور إيران في المنطقة ومدى تأثيرها في مسارات الحرب مع إسرائيل من حيث خطوط المواجهة المباشرة أو توجيه الحركات المسلحة في العراق وسوريا ولبنان نحو تقليل عملياتها المباشرة، وكذلك حركات المقاومة في غزة والضفة الغربية.

ثالث السيناريوهات  وفقا للباحث محمود مؤمن تتعلق بفترة ترتيب الأوضاع الداخليةفقد تواجه إيران فترة انتقالية مضطربة إذا لم يتمكن النظام من اختيار رئيس جديد خلال الفترة الدستورية المقررة، حيث تشير التحليلات إلى أن وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لا تمثل غياب رئيس الجمهورية فقط، بل الخليفة الأقرب لمنصب المرشد – وهو المنصب الذي يفوق منصب الرئيس – وموته يترك علامة استفهام حولة خلافة خامنئي، فعلى الرغم من الاتفاق على أن السياسة الإيرانية يرسمها مكتب المرشد الأعلى، فإن قوة رئيسي وعلاقاته المتشعبة مع مصادر القوة في النظام الإيراني ساعدته على تحقيق انفراجة في السياسات الإيرانية داخليًا وخارجيًا

، ولهذا يثور تساؤل كبير يتعلق بمدى قدرة من يخلف رئيسي وعبداللهيان على أن يؤدي هذا الدور سواء في مؤسسة الرئاسة أم وزارة الخارجية؛ وهو ما يتطلب نجاح شخصية لها حضور قوي في الانتخابات الرئاسية القادمة، الأمر الذي قد يدخل البلاد في حالة من الانقسام الداخلي وخلط الأوراق التي تخلق عقبات أمام عملية اختيار الرئيس لاسيما أن إيران شهدت تظاهرات عنيفة في سبتمبر 2022 وُجهت بقمع أمني ولّد استياء شعبي غير مسبوق، ما يجعل فترة الخلافة السياسية محفوفة بالمخاطر في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية الناتجة عن العقوبات الغربية

وقد  يؤدي إلى تراجع النفوذ الإيراني مؤقتًا في المنطقة ومن ثم إعادة النظر في الدعم – السياسي والعسكري – لمحور المقاومة المتمثل في حزب الله والجهاد الإسلامي وحماس.

 

 

 

 

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب