عندما تضطر دولة ما إلى إعلان الحرب على أفقر مواطنيها، وعندما يتحول رصيف الشارع، الملاذ الأخير للبقاء، إلى ساحة معركة، فإننا لا نكون أمام مجرد حادثة عنف، بل نكون شهوداً على لحظة الانهيار الأخلاقي والسياسي الكامل.
فالفيديو المروع الذي خرج من مدينة قزوين، والذي يظهر فيه موظفو البلدية وهم يسحقون بوحشية الباعة الجائلين، ليس مجرد مقطع فيديو، بل هو بيان سياسي، مانيفستو صامت لنظام لم يعد يملك أي حلول لأزماته سوى سحق ضحاياها.
فهذه ليست معركة لتنظيم المدينة، بل هي حرب ضد الفقر نفسه، حرب ضد كل من يجرؤ على إظهار فشل النظام في توفير أبسط مقومات الحياة. إن هذه الجريمة، التي ارتكبت في وضح النهار، هي التي تجعل من محكمة الشعب التي ستنعقد في شوارع بروكسل في السادس من سبتمبر ضرورة لا بد منها.
تشريح الجريمة: عندما تصبح “العدالة” مسرحية هزلية
دعونا نحلل ما حدث في قزوين بعمق. لم يكن العنف عشوائياً، بل كان استعراضاً مدروساً للقوة، رسالة ترهيب موجهة ليس فقط لهؤلاء الباعة، بل لكل من يفكر في البحث عن لقمة عيشه خارج سيطرة الدولة. إن استخدام العصي واللكمات والركل ليس أسلوباً لإنفاذ القانون، بل هو أسلوب عصابات تهدف إلى الإذلال وكسر إرادة البقاء.
والأكثر كشفاً هو رد فعل السلطات. فالاعتذار الباهت الذي قدمه رئيس البلدية، مصحوباً بادعاء أن “الفيديو ناقص”، هو الأسلوب الكلاسيكي لكل مجرم يتم القبض عليه متلبساً: إنكار جزئي، والتشكيك في الأدلة.
أما اعتقال ستة من الموظفين، فليس تحقيقاً للعدالة، بل هو مسرحية هزلية لامتصاص الغضب الشعبي. لم يتم اعتقالهم لأنهم ارتكبوا جريمة، بل لأن جريمتهم تم تصويرها وانتشرت كالنار في الهشيم.
ومن ثم يجدر بنا القول إن النظام لا يعاقب الجريمة، بل يعاقب فضحها. وهذا يثبت أن “العدالة” في ظل هذا النظام ليست سوى أداة لإدارة الأزمات، وليست قيمة يسعى لتحقيقها.
وفي هذا السياق وضع اتحاد العمال الأحرار في إيران يده على جوهر القضية عندما وصف ما حدث بأنه “سياسة ممنهجة”. هذه ليست حوادث فردية، بل هي حرب معلنة على الفقراء. لماذا؟ لأن وجود الباعة الجائلين في الشوارع هو بحد ذاته لائحة اتهام يومية ضد النظام.
وتقدم هذه الأحداث الدليل الحي والمتحرك على انهيار الاقتصاد، وارتفاع البطالة، وفشل كل وعود النظام بالرخاء. إنهم يمثلون الحقيقة التي يحاول النظام يائساً إخفاءها. لذلك، يجب إخفاء هؤلاء الباعة، سحقهم، ومحوهم من المشهد العام، ليس من أجل “جمال المدينة”، بل من أجل “جمال صورة النظام” الكاذبة.
ومن المهم الإشارة القول إن التنصل من المسؤولية عبر الادعاء بأن الحملات تنفذ عبر “مقاولين”، والتهديدات الموجهة لمن أعاد نشر الفيديو، كلها أجزاء من نفس الاستراتيجية: استخدام أدوات غير رسمية لتنفيذ القمع، ثم استخدام الترهيب الرسمي لإسكات أي شهود. إنها حرب شاملة تشنها الدولة بكل أجهزتها، الرسمية وغير الرسمية، على مواطنيها الأكثر عوزاً.

وفي ظل نظام تحول فيه الشارع إلى ساحة جريمة ترتكبها الدولة، وأصبحت فيه المحاكم أداة للتستر على الجريمة، أين يمكن للضحايا أن يجدوا العدالة؟ الجواب يكمن في محكمة الضمير العالمي، وفي محكمة الشعب التي ستنعقد في قلب أوروبا. إن مظاهرة السادس من سبتمبر في بروكسل هي المكان الذي سيتحول فيه صراخ البائع المتجول في قزوين إلى صوت سياسي عالمي.
فمظاهرة بروكل ستمثل المنصة التي سيُعلن فيها أن المعركة ليست بين “موظفي البلدية” و”الباعة المخالفين”، بل هي بين نظام قمعي وشعب يطالب بحقه في حياة كريمة. إنها اليوم الذي سيتم فيه فضح “الحرب على الفقراء” أمام العالم أجمع.
والأهم من ذلك، أن هذه المظاهرة ستقدم البديل. ففي مواجهة سياسة السحق والاضطهاد، سيقدم المشاركون دعمهم لخطة السيدة مريم رجوي ذات العشر نقاط.
هذه الخطة، التي تقوم على العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، ودعم الفئات الضعيفة، هي النقيض المطلق لكل ما يمثله نظام الملالي. إنها رؤية لدولة تخدم مواطنيها بدلاً من أن تحاربهم.
ومن ثم فإن الرسالة التي ستنطلق من بروكسل ستكون واضحة: العدالة للباعة الجائلين في قزوين، ولكل المقهورين في إيران، لن تتحقق في محاكم النظام، بل ستتحقق بإسقاط هذا النظام وإقامة جمهورية ديمقراطية تضع كرامة الإنسان فوق كل اعتبار