هاجمت عشائر الدروز الموالية لإسرائيل العشائر البدوية السورية جنوب البلاد و اختطفوا عديد النساء و الأطفال السوريين، و ذلك تأجيجا الصراع و استدعاء للفتنة الطائفية بسبب أحد زعماء الدروز عصمت الهجري الموالي للصهاينة و كان من الطبيعي أن يكون رد فعل الدولة السورية شديداً لحماية مواطنيهم..
و في خضم ذلك، فقد أعلنت الرئاسة الروحية للدروز في سوريا اليوم الإثنين، رفض دخول أي جهات، ومنها الأمن العام السوري، إلى السويداء جنوبي البلاد، مطالبة بـ”الحماية الدولية الفورية كحق لحماية المدنيين وحقنا للدماء”.
و لعل الدعوة إلى الحماية الدولية هي مخطط متفق عليه مع الصهاينة للتدخل و خرق السيادة الوطنية السورية، و لك أن تتخيل أن هذه الدعوة تشمل منع قوات الأمن العام السورية من دخول إحدى بقاع الوطن السوري لحفظ الأمن فيه، أي أن هذا دعوة صريحة بإعادة الحكم الذاتي الدرزي مثلما كان ذات مرة في القرن العشرين.
و في غضون ذلك، فقد ارتفع عدد الضحايا من جراء الاشتباكات والقصف المتبادل في السويداء منذ صباح الأحد، إلى 89 قتيلا وعشرات المصابين.
وقال قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي اليوم الإثنين ، إنه هاجم دبابات سورية في قرية سميع بمحافظة السويداء جنوبي سوريا، كما وذكرت القناة 14 الإسرائيلية أن الهجوم جاء بعد “تحركات” لتلك الدبابات، وسط اشتباه بأنها كانت تتجه نحو منطقة مأهولة بالدروز في سوريا.
مطلب الحماية الدولية قد يحمل إرهاصات تاريخ طويل من حلم الدولة الدرزية وتحالفات و انشقاقات الدروز مع الأنظمة التي حكمت سوريا.
و لعلنا حين نسردها الآن، تتضح خيانة أولئك الدخلاء الدائمي استدعاء القوات الخارجية ضد الدولة السورية على مر التاريخ، و منها الصهاينة، بلا أدنى شرف يذكر من هذه العشائر شديدة الخيانة منذ تاريخها الطويل.
فقد استمرت دولة الدروز المستقلة من عام 1921 حتى ضمها إلى سوريا عام 1937، ثم انفصلت عنها مجددًا قبل أن تتحد مع سوريا عام 1942 في عهد الرئيس تاج الدين الحسني حسب تقرير نشرته مجلة “المجلة” في وقت سابق.
خلال فترة حكمه، عُيّن درزيٌّ في منصب وزاري لأول مرة في التاريخ: عبد الغفار باشا الأطرش وزيرًا للدفاع، وخلفه بعد وفاته الأمير حسن الأطرش، زوج المطربة الشهيرة أسمهان (أمل الأطرش). تولّت شخصيات درزية أخرى مناصب وزارية رفيعة، أبرزها الأمير عادل أرسلان، الذي أصبح وزيرًا للخارجية عام 1949.
زعيم الدروز الأسطوري سلطان باشا الأطرش، هو قائد الثورة السورية الكبرى ضد الفرنسيين عام 1925.
بعد انتخاب هاشم الأتاسي رئيسًا في ديسمبر 1936، ضُمّ جبل الدروز وجبل العلويين إلى سوريا، منهيًا بذلك 16 عامًا من الحكم الذاتي. عاد سلطان الأطرش لقيادة الدروز بعد عقد من المنفى، لكن الحكومة المركزية في دمشق ارتكبت خطأً فادحًا بتعيينها نسيب البكري، الوجه السني الدمشقي، حاكمًا على جبل الدروز، ظنًّا منها أن ذلك سيُرضي الدروز، لا سيما وأن البكري قاتل إلى جانبهم في ثورة 1925.
لم يدم اندماج جبل العلويين وجبل الدروز مع بقية سوريا طويلًا. فقد عادا إلى وضعهما السابق بعد استقالة الأتاسي واندلاع الحرب العالمية الثانية عام ١٩٣٩.
أُعيد دمج جبل الدروز في سوريا في فبراير 1942، ولم يُستأنف المشروع الانفصالي إلا في خريف عام 1946، بعد أشهر قليلة من الانسحاب الفرنسي. وكان السبب الرئيسي لإحياء هذا المشروع هو تدهور العلاقات بين الدروز والحكومة المركزية في دمشق، لا سيما بعد دعم الدروز لمشروع “سوريا الكبرى” الذي اقترحه الملك عبد الله الأول ملك الأردن، والذي عارضه الرئيس شكري القوتلي بشدة، محذرًا من أنه يهدد النظام الجمهوري السوري.
أشارت برقية دبلوماسية أمريكية عام 1947 إلى أن عائلة الأطرش كانت قادرة “بلمح البصر على حشد جيش من عشرين ألف مقاتل لاحتلال دمشق والإطاحة بالحكومة”. في ذلك الوقت، كان عدد الدروز حوالي ١٠٠ ألف نسمة، أي ما يعادل ٣٪ من إجمالي سكان سوريا، ويتركز معظمهم في جبل الدروز ومحيطه.
اندلعت المواجهة الدموية عام 1953 بين الدروز والرئيس الشيشكلي، بعد أن اكتشفت الأجهزة الأمنية مخزونات أسلحة في المنطقة الدرزية.
قام الشيشكلي بتسريح العديد من الضباط الدروز ونقل ضباط بارزين منهم، مثل أمين أبو عساف، إلى دير الزور. كما هاجم قرية مجدل شمس الدرزية في الجولان، واعتقل 35 منهم بتهمة التجسس لصالح إسرائيل، واتهم الدروز بالسعي إلى إحياء الدولة الدرزية المستقلة في عهد الانتداب الفرنسي.
قال الشيشكلي مقولته الشهيرة: “أعدائي كالأفعى: رأسها في جبل الدروز، وبطنها في حمص، وذنبها في حلب. إن قطعت رأسها ماتت”. حاول الشيشكلي “قطع رأسها” بقصف جبل الدروز قبل أن يُطاح به انقلاب عسكري في 24 فبراير/شباط 1954. الشيشكلي، خلال حملته ضد الدروز، عيّن اللواء الدرزي شوكت شقير رئيسًا لأركان الجيش السوري لتجنب اتهامات الطائفية.
يصل السرد التاريخي في تقرير مجلة المجلة إلى اغتال الرئيس الشيشكلي بواسطة درزي في منفاه البرازيلي عام 1964، بعد عقد من إزاحته عن السلطة.
أيد الدروز جمال عبد الناصر عام 1958، وعارضوا الانقلاب الانفصالي الذي أطاح بالجمهورية العربية المتحدة عام 1961.
استعادوا مكانتهم بعد انقلاب 8 مارس1963 الذي أوصل حزب البعث إلى السلطة. وارتقى العديد من الدروز إلى مناصب عليا، مثل منصور الأطرش، الذي أصبح رئيسًا لمجلس قيادة الثورة، وحمد عبيد وزيرًا للدفاع، وسليم حاطوم، الذي قاد مجموعة عسكرية لاعتقال الرئيس أمين الحافظ خلال انقلاب 23 فبراير 1966 الذي قاده صلاح جديد، الرجل القوي في حزب البعث.
سرعان ما تم تهميش حاطوم، وبدأ بالتخطيط لانقلاب آخر. رد نظام البعث باعتقال أكثر من 200 من أنصاره الذين كان معظمهم من الدروز. في سبتمبر 1966، حاصر حاطوم السويداء بالدبابات واقتحم مقر حزب البعث لاعتقال الرئيس نور الدين الأتاسي وصلاح جديد.
لم يكن انقلاب حاطوم يهدف إلى الانفصال أو إقامة دولة درزية مستقلة، بل إلى الاستيلاء على السلطة في دمشق. أحبطه وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد، وهرب حاطوم إلى الأردن قبل أن يعود بعد هزيمة عام 1967، ليتم اعتقاله.
