في تطور أمني خطير أعاد إلى الواجهة المخاوف الإقليمية، أعلنت السلطات المصرية عن إحباط مخطط تخريبي لحركة حسم – الذراع المسلحة لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة – كان يستهدف الداخل المصري، وذلك بعد تسلل أحد عناصرها المتطرفة من دولة حدودية، عقب تلقيه تدريبات عسكرية على أراضيها، بحسب بيان رسمي لوزارة الداخلية المصرية.
وأفاد مصدر أمني مصري لـ«الشرق الأوسط» أن العنصر الذي تم تصفيته خلال مداهمة أمنية، خضع لتدريب عسكري مكثف في الصحراء الليبية، بعد أن أقام لفترة في السودان، قبل أن يتسلل إلى مصر. هذا التطور يعيد تسليط الضوء على خطورة المنطقة الصحراوية الليبية كمأوى محتمل لمسلحين، وسط غياب الرقابة الأمنية الكاملة في بعض المناطق.
الصحارى الليبية… بيئة رخوة أمنياً
من منظور ليبي، يرى المحلل العسكري محمد الترهوني أن نحو 90% من مساحة ليبيا عبارة عن صحراء مترامية الأطراف، تحولت خلال العقد الأخير إلى مرتع للفوضى ونشاط المسلحين الأجانب، مع ضعف السيطرة المركزية، لا سيما في الجنوب الغربي. وأكد أن الحدود الليبية-التونسية والليبية-المصرية، تشهد نشاطًا ملحوظًا في التهريب، مما يوفر للمجموعات المتطرفة فرصة لاستخدامها كممرات آمنة للسلاح والأفراد.
وأضاف الترهوني أن بعض التشكيلات المسلحة المحلية قد تعقد صفقات مع جماعات إرهابية مقابل المال، مستغلة سيطرتها على مناطق تهريب غير خاضعة لسلطة الجيش الوطني الليبي.
حركة «حسم» تعلن عن نفسها مجددًا
تعززت المخاوف بعد تداول فيديو جديد منذ أسبوعين نُسب لحركة حسم، يظهر مسلحين ملثمين يؤدون تدريبات عسكرية وسط طبيعة صحراوية، ويطلقون الرصاص في ما بدا كعرض للقوة ورسالة بإعادة تفعيل عملياتهم داخل مصر.
وأكد المصدر الأمني المصري أن بعض هؤلاء العناصر تم رصدهم سابقًا في ليبيا، بينما أشار تقرير أممي صدر في ديسمبر الماضي إلى أن التنظيمات الإرهابية في ليبيا لا تزال فاعلة، وتوفر دعماً لوجستياً وتمويلياً لشبكات التطرف في منطقة الساحل.
وجهات نظر متباينة من داخل ليبيا
رغم ذلك، نفى وزير الداخلية في الحكومة الليبية المكلّفة من البرلمان شرق البلاد، عصام أبو زريبة، وجود أي مراكز تدريب أو إيواء لعناصر إرهابية أو إخوانية في المناطق الخاضعة لسيطرته. وقال لـ«الشرق الأوسط»: “نكافح تلك التحركات لما تمثله من تهديد لأمننا القومي، وهناك تعاون أمني فعال مع الجانب المصري”.
أما مدير “المركز الليبي للدراسات الأمنية”، شريف بوفردة، فاستبعد وجود حاضنة للعناصر المتطرفة في المنطقة الشرقية، مؤكداً أن الإخوان غادروا منذ عام 2014، ولا يملكون حاليًا البنية التنظيمية أو التخطيطية لدعم عمليات مسلحة.
السودان… بوابة عبور جديدة؟
لم تكن الحدود السودانية بعيدة عن تلك المعادلة، فقد أكدت التقارير الأمنية المصرية أن بعض عناصر حسم أقاموا سابقًا في السودان، وأن مسارات التهريب من دارفور إلى الكفرة ثم إلى واحة الجغبوب وأجدابيا، تُستخدم في عمليات تهريب العناصر والسلاح. وهو ما أقر به الخبير العسكري السوداني العميد جمال الشهيد، الذي أشار إلى وجود شبكات تهريب متطورة تتنقل بين السودان وليبيا ومصر، مستغلة وعورة التضاريس الصحراوية وشح الرقابة الحدودية.
دعوة لتعاون ثلاثي
وأمام هذا المشهد المعقّد، دعا الشهيد إلى إطلاق تنسيق أمني ثلاثي بين مصر والسودان وليبيا، يُعتمد فيه على القبائل المحلية التي تتحكم فعلياً في طرق التهريب والمسالك الصحراوية، باعتبارها عنصرًا محوريًا في ضبط الحدود.
تساؤل أخير يحل المشكلة
رغم نفي السلطات المحلية في ليبيا وجود معسكرات تدريب إرهابية، تشير الوقائع الأمنية ومصادر إقليمية ودولية إلى أن الصحراء الليبية تشكّل اليوم فراغًا أمنيًا مغريًا للجماعات المسلحة، التي تسعى لإعادة التمركز، سواء عبر علاقات المصالح مع مهربي البشر والسلاح، أو في ظل تراجع السيطرة المركزية.
يبقى السؤال المطروح:
هل ستتمكن القاهرة وطرابلس والخرطوم من سدّ الثغرات الحدودية قبل أن تُستخدم الرمال مجددًا منصة لانطلاق الإرهاب؟
