كشف رئيس الوزراء الصهيونى بنيامين نتنياهو عن رد فعله على إعلان رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الذي قال إن بلاده ستعترف بالدولة الفلسطينية إذا لم تتخذ إسرائيل خطوات جوهرية لإنهاء الوضع المأسوي في قطاع غزة.
وتحدث نتنياهو عبر حساب مكتبه على منصة إكس أن ستارمر يكافئ إرهاب حركة حماس الوحشي- حسبما ذكر- ويعاقب الضحايا.
ففي قلب معركة الشرق الأوسط الدائرة منذ عقود، لا تزال أوروبا تتشوق لتلعب دور اللاعب الرئيسي في دفع الأمور نحو مسار جديد، فهل تنظر القارة العجوز إلى دعم الشعب الفلسطيني كخطوة استراتيجية لتهدئة الأوضاع؟ أم أنها تسعى خلف مصالحها السياسية والاقتصادية على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في ظل تصاعد اللهجة الأوروبية حيال الكيان واتخاذ مواقف قد تلامس حدود الضغط الحقيقي؟
يبقى السؤال هل هناك إرادة أوروبية فعلية لتشكيل موازين قوى جديدة في المنطقة أم أن الأمر مجرد استراتيجيات مراوغة ستنتهي مع استنارة شمعة دبلوماسية تتلاشى في نهاية المطاف.
سياق تاريخي وسياسي
لطالما لعبت أوروبا دورًا مركزيًا في الشأن الفلسطيني الإسرائيلي منذ عقود، إذ تبنت معظم الدول الأوروبية مواقف داعمة للحق الفلسطيني ضمن إطار السياسات الدولية، وقرارات الأمم المتحدة. ومع تصاعد التوترات في المنطقة وازدياد التصعيد على الأرض، اتخذت الدول الأوروبية مواقف أكثر وضوحًا عبر دعمها لحل الدولتين، وضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، مع الحفاظ على أمن إسرائيل كجزء من الحل العادل والشامل.
مواقف ومبادرات الاتحاد الأوروبي
الاتحاد الأوروبي هو أحد الممولين للمساعدات الإنسانية والتنموية للشعب الفلسطيني، كما أنه من بين الداعمين لمبادرات السلام السياسية. ومع ذلك، شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا في التوترات بين أوروبا والكيان فيما يخص الإجراءات والقرارات التي تتخذها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خاصة في القدس والضفة الغربية. أوروبا عُرفت بموقفها الضبابي والذي يميل أحيانًا إلى الانتقاد لسياسات الكيان، مع تأكيدها على ضرورة الحفاظ على حل الدولتين وفقًا للقرارات الدولية.
ممارسة الضغوط الأوروبية والإطماع خلفها
هناك عدة مؤشرات على أن أوروبا تمضي في مسار ممارسة الضغوط على إسرائيل بشكل غير رسمي لكن متصاعد، كنوع من إظهار الموقف السياسي من القضايا الأساسية، والتي تشمل:
– فرض عقوبات غير رسمية وتجميد بعض التعاون الأمني والاقتصادي.
– دعم المقاطعة الاقتصادية في بعض الدول الأوروبية ضد المنتجات الإسرائيلية من المستوطنات.
– تهديدات أو إجراءات سياسية تهدف إلى دفع إسرائيل لإعادة النظر في سياساتها، خاصة فيما يخص التوسع الاستيطاني، والاعتراف بحقوق الفلسطينيين.
هذه الضغوط تأتي في سياق دفع الكيان لتقديم تنازلات سياسية أو التفاوض على خطى حل الدولتين، في إطار محاولة أوروبا أن تبرز كوسيط نزيه وقوة ضغط لتحقيق استقرار إقليمي، وتحقيق التوازن بين دعمها لإسرائيل والفلسطينيين في آن واحد.
هل أوروبا تضغط أم أن الأمر مجرد مصالح؟
من الصعب تحديد نية أوروبا بدقة، فبينما تظهر المواقف الرسمية دعمها العلني لحل الدولتين، هناك مؤشرات على أن بعض الدول الأوروبية تمضي في خطوات تصعيدية ربما تمتد لممارسة ضغوط فعلية على الكيان لضبط مسار سياساتها، خاصة في ظل تصاعد الانتقادات الدولية لأعمال الاستيطان التوسعية، ورفض المجتمع الأوروبي بعض السياسات الصهيونية العقابية.
ولو نظرنا إلى السجالات الأخيرة التي شهدتها أوروبا، خاصة بعد عمليات الاستيطان الأخيرة أو قضايا القدس، نلمس أن هناك تغيرًا تدريجيًا في النبرة الأوروبية، حيث بدأت بعض الدول الأوروبية تتخذ مواقف أكثر وضوحًا من خلال التصريحات والقرارات التي تتهم الصهاينة بانتهاكات للقانون الدولي، رغم أن هناك تحفظات كثيرة على مدى الالتزام الحقيقي بممارسة هذه الضغوط على أرض الواقع.
الدوافع الأوروبية وراء ممارسة الضغوط
مظاهر ممارسة الضغوط الأوروبية لا تأتي من فراغ، فهي مرتبطة بعدة دوافع استراتيجية وسياسية:
– الرغبة في استعادة صورة القارة كمدافع عن حقوق الإنسان والعدالة في العالم.
– محاولة تلميع صورتها أمام العالم العربي والإسلامي، خاصة مع تصاعد المطالب الشعبية والسياسية داخل أوروبا بشأن دعم الحقوق الفلسطينية.
– استجابة للضغط الجماهيري والسياسي الداخلي، والذي يدعو إلى اتخاذ مواقف أكثر حزمًا من الاحتلال والتوسع الصهيونى.
– الرغبة في إعادة دفع عملية السلام، في ظل تعثرها المستمر، عبر توجيه رسالة واضحة لإسرائيل بوجود حدود للمضي في السياسات التوسعية.
بين لغة التهديد والوعود
يتضح أن أوروبا في خضم استراتيجيتها تتفاوت بين لغة التهديد والوعود، وبين ممارسة الضغوط الفعلية من خلال أدوات دبلوماسية واقتصادية، وكل ذلك في إطار سعيها للحفاظ على مصالحها السياسية والأمنية والاقتصادية، وفي ذات الوقت محاولة إحداث توازن بين دعمها للفلسطينيين وحفاظها على علاقاتها مع إسرائيل.
التوقعات المستقبلية تظهر أن المنطقة تظل في حالة من الترقب، فهل ستتخذ أوروبا خطوات أكثر تصعيدًا في الضغط والممارسة أم ستكتفي بالتصريحات والدعم السياسي؟ المحتمل أن تتراوح الخيارات بين الضغط الدبلوماسي والاقتصادي، وبين محاولة استئناف جولات التفاوض لضمان مصالحها وتحقيق استقرار إقليمي.
مواقف المسؤولين الأوروبيين
– جوزيف بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، أكد مرات عديدة أن الاتحاد يدعم حل الدولتين ويعتبر المستوطنات الصهيونية في الأراضي المحتلة غير شرعية وفقًا للقانون الدولي، داعيًا الكيان إلى التوقف عن السياسات التوسعية. في تصريحات عديدة، أكد أن أوروبا تراقب عن كثب التطورات وتساند الخطوات التي تعزز من فرص السلام.
– العديد من الدول الأوروبية عبرت عن قلقها إزاء التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس، ووجهت انتقادات علنية لسياسة الاستيطان، ودعت إلى ضرورة احترام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بوضع القدس وحقوق الفلسطينيين.
– مبادرة باريس (2017)، كانت محاولة أوروبية جادة لدفع عملية السلام، حيث دعا الاتحاد الأوروبي إلى التفاوض على أساس حل الدولتين، وهدد بفرض عقوبات على الكيان في حال استمرت سياساتها التوسعية.
أمثلة على إجراءات أوروبية محددة
– فرض قيود على المنتجات: العديد من الدول الأوروبية، منها فرنسا وإيطاليا، اتخذت خطوات لمقاطعة منتجات المستوطنات، واعتبرتها غير شرعية وفقًا للموقف الأوروبي الرسمي. على سبيل المثال، أوقف بعض الدول استيراد منتجات المستوطنات في إطار حملات شعبية وأحياناً رسمية.
– التغييرات في السياسات الجمركية: في عام 2019، أطلقت المفوضية الأوروبية توجيهات جديدة تطالب بالمطالبة بتمييز المنتجات القادمة من المستوطنات عن تلك الفلسطينية في السوق الأوروبية، وهو إجراء يهدف إلى الحد من دخول المنتجات الصهيونية على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
– تقديم دعم مالي وفني*: استمرت أوروبا، خاصة الاتحاد الأوروبي، في تقديم الدعم التنموي والإغاثي للفلسطينيين رغم الضغوط والانتقادات، ومع ذلك، شهدت بعض الدول الأوروبية، على سبيل المثال، أعضاء البرلمان الأوروبي، مطالبات متكررة بوقف أو تقليل الدعم، خاصة في الأنشطة المرتبطة بالمستوطنات.
يذكر أن ستارمر أعلن أن المملكة المتحدة ستعترف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر القادم إذا لم تتخذ إسرائيل إجراءات لإنهاء المعاناة في غزة وإيجاد وقف إطلاق نار والالتزام بسلام دائم يسهل حل الدولتين.
وفي سياق متصل أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخميس، أن فرنسا ستعترف بالدولة الفلسطينية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر، وقال إنه بناء على التزامها التاريخي لتحقيق سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط قررت الاعتراف بدولة فلسطين.