تواجه إيران اليوم عزلة متزايدة في محيطها الإقليمي والدولي، مع تصاعد التوترات العسكرية بينها وبين إسرائيل والولايات المتحدة، والضربات الأخيرة التي استهدفت منشآتها النووية. في ظل هذه التطورات، يثار تساؤل استراتيجي مهم: أين وقفت روسيا والصين من حليفهما الإيراني؟ وهل يمكن وصف موقفيهما بـ”الخذلان” أم أنهما يتحركان وفق منطق المصالح العليا؟
أولًا: روسيا – حسابات الحرب الباردة الجديدة
رغم عمق التعاون الروسي–الإيراني، خاصة في الملف السوري وصفقات السلاح والطاقة، فإن موقف موسكو خلال التصعيد العسكري الأخير بين إيران وإسرائيل كان متراجعًا ومتحفظًا.
في أعقاب الضربات الأمريكية والإسرائيلية المشتركة التي استهدفت منشآت نووية إيرانية قرب أصفهان وشيراز، لم يصدر عن الكرملين سوى بيان مقتضب دعا إلى “ضبط النفس من جميع الأطراف” دون إدانة واضحة للهجوم. (وفق وكالة تاس الروسية، 20 يونيو 2025)
ويؤكد محللون أن موسكو، المنخرطة حتى النخاع في حرب أوكرانيا، لا ترغب في مواجهة مفتوحة مع الغرب في جبهة جديدة. كما أن روسيا تخشى من تعميق عزلتها إذا اصطفت علنًا إلى جانب طهران في صراع له طابع نووي. (تحليل معهد الدراسات الأمنية الأوروبية – يونيو 2025)
ثانيًا: الصين – لغة هادئة ومصالح أوسع
أما الموقف الصيني، فكان أكثر تحفظًا وهدوءًا، إذ دعت بكين إلى “حل سلمي والتزام القانون الدولي”، لكنها تجنبت تمامًا توجيه أي لوم لإسرائيل أو واشنطن. (وكالة شينخوا، 21 يونيو 2025)
وتُظهر البيانات التجارية الصينية الأخيرة أن بكين خفضت وارداتها من النفط الإيراني بنسبة 23% في مايو الماضي، رغم العقوبات، مطالبةً بتخفيضات أكبر في الأسعار. (رويترز، 10 يونيو 2025)
وبحسب تحليل نشره مركز الدراسات الآسيوية في طوكيو، فإن الصين تسعى للحفاظ على توازن حساس في الشرق الأوسط، بين إيران من جهة، وشركائها التجاريين الكبار كالسعودية وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى. ولهذا فإن بكين لا ترى مصلحة في الانحياز الكامل لطهران.
ثالثًا: لماذا تتراجع موسكو وبكين؟
يرى دبلوماسيون غربيون أن كلًا من روسيا والصين تتعاملان مع إيران كأداة تكتيكية أكثر من كونها حليفًا استراتيجيًا دائمًا. (نقلاً عن فايننشال تايمز، 18 يونيو 2025)
فبالنسبة لموسكو، فإن إيران تمثل ورقة ضغط ضد واشنطن في المحافل الدولية، لكنها ليست دولة يمكن التعويل عليها في المعارك العسكرية المباشرة. كما أن طهران تُستخدم سياسيًا ثم تُترك عند لحظة التوازن.
أما بكين، فتضع في مقدمة أولوياتها استقرار أسواق الطاقة وتوسيع مبادرة “الحزام والطريق”، ولا ترى أن دعم طهران في موقفها العسكري سيحقق لها أي مكاسب. بل على العكس، قد يعرضها لعقوبات أمريكية على البنوك والشركات الصينية، كما حدث في 2019. (تقرير مجلس العلاقات الخارجية CFR، يونيو 2025)
من خلال تتبع ردود الأفعال الرسمية والتحركات الدبلوماسية، يتضح أن إيران لا تملك حلفاء مستعدين لخوض مواجهة دولية لأجلها. وقد يكون هذا “الخذلان” نتيجة واقعية لتحالفات بُنيت على مصالح ظرفية، لا على التزام إستراتيجي عميق.
لقد استخدمت إيران شعار “التوجه شرقًا” لمواجهة العزلة الغربية، لكنها تكتشف اليوم أن الشرق أيضًا يتصرف بمنطق الحسابات الباردة، وليس منطق التحالفات الأيديولوجية أو التضامن العقائدي.