في خضم حرب الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون، تتكشف يوماً بعد آخر تفاصيل خطط إسرائيلية ودولية تتجاوز حدود العدوان العسكري إلى ما هو أخطر: مشروع تهجير قسري جماعي مُمنهج، يهدف إلى إعادة رسم الخريطة الديموغرافية والسياسية لفلسطين، وتحويل الأرض إلى منصة اقتصادية واستثمارية بلا أهلها.
من «ريفييرا ترامب» إلى «المدينة الإنسانية»
المقترحات المتتالية لمستقبل غزة، من مدينة بلا سكان إلى «سنغافورة المتوسط»، تكشف تحديثاً مرعباً لمشروع صهيوني عمره أكثر من سبعين عاماً. منذ النكبة عام 1948 وحتى اليوم، ظل الطرد القسري وإفراغ الأرض الفلسطينية جزءاً من عقيدة الاستعمار الإسرائيلي. الجديد اليوم هو تحويل التهجير إلى صفقة إقليمية بواجهة اقتصادية – عبر “اتفاقات أبراهام” – تشارك فيها قوى عربية وغربية.
غزة… محرقة معلنة ومشاريع تهجير صريحة
منذ أكتوبر 2023، يخضع قطاع غزة لحملة تدمير غير مسبوقة: أكثر من 120 ألف منزل مهدّم، 65% من البنية التحتية خارج الخدمة، 1.5 مليون نازح في رفح وحدها. ومع استمرار المجازر، خرجت تصريحات مباشرة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب يدعو فيها لتهجير سكان القطاع إلى مصر والأردن، ويقترح إعادة بناء غزة على الطريقة الأميركية كـ«ريفييرا ترامب».
تم تقديم عدة مشاريع في هذا الإطار، من بينها:
مشروع “درع أبراهام”: مخطط تديره مجموعة ضغط إسرائيلية لتهجير الغزيين وإعادة بناء القطاع كمنطقة حرة استثمارية.
مشروع “الثقة العظمى”: يهدف لتحويل غزة إلى مدينة تقنية وصناعية بلا سكانها الأصليين.
مشروع “المدينة الإنسانية”: مخيمات ضخمة يُنقل إليها الغزّيون قسراً ولا يُسمح لهم بمغادرتها، مع وعود زائفة بـ”الخروج الطوعي”.
الضفة… التهجير البطيء
بينما ينصبّ التركيز على غزة، تتعرض الضفة لعملية “نكبة صامتة” عبر تهجير بطيء وهندسة جغرافية متعمدة. مشاريع مثل “طريق السيادة” و**”نسيج الحياة”** تقطع أوصال الفلسطينيين، وتعزل تجمعاتهم السكانية داخل جيوب مغلقة، لصالح مستوطنات مزوّدة بشبكات طرق ومرافق حديثة.
في مسافر يطا جنوب الخليل، تواجه 20 قرية بدوية مخططاً إسرائيلياً لتفريغ المنطقة لصالح المستوطنات. وفي مخيم جنين، تم تهجير 20 ألف فلسطيني بعد حصار عسكري دام 99 يوماً انتهى بتحويل المخيم إلى ركام.
من التهجير إلى الاستثمار
كل هذه المشاريع تشترك في رؤية واحدة: تطهير الأرض من سكانها الفلسطينيين وتحويلها إلى منطقة اقتصادية مربحة تحت السيطرة الإسرائيلية والدعم الخليجي والغربي. ما يسمى بـ«السلام الاقتصادي» ليس سوى ستار للهندسة الديموغرافية والتهجير المنهجي.
الصمت الدولي… شراكة في الجريمة
رغم تحريم اتفاقيات جنيف وميثاق روما للتهجير الجماعي واعتباره جريمة ضد الإنسانية، تمضي إسرائيل في تنفيذ مشاريعها وسط صمت دولي وتواطؤ إقليمي. منذ 1948، لم يُنفذ أي من قرارات الأمم المتحدة الـ170 الخاصة بحق العودة أو وقف الاستيطان، ما يؤكد أن ما يجري اليوم ليس فقط إبادة، بل إعلان رسمي عن نهاية دولة اسمها فلسطين، وتحويلها إلى بورصة أراضٍ دون أصحاب.
ما يحدث ليس “صراعاً” بل مشروع إبادة وتطهير عرقي معلن ومُمَنهج… فهل نعيش فصول النكبة الأخيرة؟