
في خطوة فريدة من نوعها أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والقانونية بأميركا، تستعد إدارة الرئيس دونالد ترامب لقبول طائرة بوينج 747-8 فائقة الفخامة كـ«إير فورس وان» مؤقتة، مقدَّمة من العائلة المالكة القطرية. تثار حول هذه «الهدية» تساؤلات أخلاقية وقانونية بشأن مدى توافقها مع الدستور الأمريكي وقوانين منع تلقي الهدايا من حكومات أجنبية، وهل يمكن اعتبارها رشوة أو فسادًا يتعارض مع مبدأ النزاهة في العمل العام؟
هدية قطر: مواصفات الطائرة وقيمتها
تؤكد تقارير رويتر حول الطائرة أنها من حيث :
- الطراز: بوينج 747-8 «جامبو» مجهَّزة بأفخم التجهيزات، حتى أطلق عليها الإعلام «القصر الطائر» لرحابتها وفخامتها.
- القيمة التقديرية: تتراوح بين 350 و400 مليون دولار، ما يجعلها من أثمن الهدايا التي قد تتلقاها حكومة الولايات المتحدة
- آلية الاستلام: وفقًا لمصادر «آيه بي سي نيوز»، ستُنقَل الطائرة أولاً إلى سلاح الجو الأمريكي، ثم تُحوَّل بعد ذلك إلى مكتبة ترامب الرئاسية قبيل انتهاء ولايته، ما يُفصِل قبول الهدية عن المصلحة الشخصية المباشرة للرئيس .
تبرير البيت الأبيض والدعم القانوني
دافع الرئيس ترامب عن قبول الهدية على منصة «تروث سوشيال»، معتبرًا أن العملية «شفافة» و«لا تحمل أُسسًا لمحاباة أو منفعة شخصية»، مشيرًا إلى أن الطائرة تهدف لاستبدال طائرتي الرئاسة القديمتين اللتين مضى على تشغيلهما أكثر من أربعة عقود. وأضاف أنها ستكون في خدمة وزارة الدفاع أولًا، ما يجعلها لا تُعد هدية للرئيس شخصيًا، بل للأمة الأمريكية
من جانبها، أصدرت المدعية العامة لولاية فلوريدا السابقة، باميلا بوندي، وعبر مذكرة قانونية، رأيًا يُجيز استلام الهدية بناءً على عدم وجود «مقابل مادي أو خدمة معينة تُقدّم للشخص المانح»، وأن الطائرة ستُدار ضمن الإمكانات التشغيلية لسلاح الجو قبل نقلها إلى المكتبة الرئاسية، ما يوضح عدم خرق «بند المكافآت» في الدستور الأمريكي الذي يمنع قبول هدايا من حكومات أجنبية دون موافقة الكونغرس
مزاعم الفساد والرشوة من المعارضين
رأى عدد من النواب الديمقراطيين ومعهم مراقبون مستقلون أن هذه الهدية تمثل «رشوة صريحة» و«فسادًا سافرًا» بسبب حجمها وقيمتها وتأثيرها المحتمل على سياسات الإدارة تجاه قطر.
- السناتور كريس ميرفي وصف الخطوة بأنها «غير قانونية إطلاقًا»، مؤكدًا أن أي محاولة لتفادي حظر قبول الهدايا الأجنبية تشكل خرقًا للدستور
- النائبة كيلي موريسون اعتبرت الهدية «وصمة عار» على الإدارة و«رشوة» لافتة للنظر، تفتح الباب أمام تدخلات أجنبية في السياسة الأمريكية
- أشار غريغ كاسار، رئيس الكتلة التقدمية في الكونغرس، إلى أن «تقديم طائرة قيمتها 400 مليون دولار من دولة أجنبية هو الفساد بعينه»، وأضاف: «القانون واضح، والمصلحة العامة ليست للتفاوض عليها بأية هدية ثمينة»
الموقف الرسمي القطري
نفى الملحق الإعلامي في سفارة قطر بواشنطن، علي الأنصاري، أن تكون هناك صفقة نهائية أو قرار مُلزم بخصوص نقل الطائرة، موضحًا أن النقاش ما زال جارٍ بين وزارة الدفاع القطرية ونظيرتها الأمريكية، ولم يُتخذ أي قرار رسمي حتى الآن
تداعيات سياسية ودستورية
- بند المكافآت الدستوري: ينصُّ الدستور الأمريكي (المادة الأولى، الباب التاسع) على حظر قبول هدايا أو مكافآت من أي ملك أو أمير أو دولة أجنبية دون موافقة الكونغرس، وهو ما يضع قبول الطائرة تحت مجهر قانوني دقيق.
- موافقة الكونغرس: رغم تأكيد البيت الأبيض على عدم الحاجة لموافقة تشريعية، يرى كثيرون أن الحالة استثنائية وتتطلب نقاشًا وتصويتًا في المجلسين لقطع الشك باليقين.
- التأثير على العلاقات الخارجية: قد يشكل قبول الهدية سابقة جديدة تُستغلها قوى خارجية لتقديم «هدايا» مؤثرة إلى المسؤولين الأمريكيين، ما يضعف موقف القانون الأمريكي في مكافحة الفساد الدولي.
وفى نهاية التقرير باتت هدية قطر «القصر الطائر» لرئاسة ترامب نموذجًا استثنائيًا للاختبار الفعلي لقوانين منع الفساد والرّشوة الحكومية. وفي حين يؤكد البيت الأبيض والجهات القانونية التابعة له احترامهم للضوابط الدستورية، يواصل المعارضون التشكيك في نوايا الإدارة ومخاطر تأثير مثل هذه الهدية على استقلالية القرار السياسي الأمريكي.
إن العلاقة بين الهدية والرشوة/الفساد ليست مسألة شكلية، بل تمس جوهر الحوكمة الرشيدة وتوازن القوى بين السلطات، وتفتح نقاشًا حيويًا حول مدى التزام إدارة ترامب بمعايير النزاهة في حكمه.