هل يدعو ميثاق سلام “حميدتي” إلى تفرقة جديدة للسودان؟
تقرير: سهيل علي
وقعت قوات الدعم السريع، مساء أمس السبت، ميثاقًا مع جماعات سياسية ومسلحة متحالفة معها، بهدف تشكيل “حكومة سلام ووحدة” في الأراضي التي تسيطر عليها. يأتي هذا الميثاق في ظل استمرار الحرب الدامية بين قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) والجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، والتي اندلعت في منتصف أبريل 2023.
ماذا نص ميثاق “حميدتي”؟
نص الميثاق على مجموعة من المبادئ والأهداف التي تهدف إلى إعادة بناء الدولة السودانية على أسس جديدة. ومن أبرز هذه المبادئ بناء دولة علمانية لا مركزية تقوم على الحرية والمساواة والعدالة، مع فصل الدين عن الدولة. وأشار إلى منح الشعوب السودانية حق تقرير المصير في حال عدم الإقرار بالعلمانية في الدستور الانتقالي أو الدائم.
كما دعا الميثاق إلى تأسيس نظام حكم ديمقراطي تعددِي يضمن مشاركة واسعة وعادلة لجميع الأقاليم في إدارة شؤونها المحلية، مع تحقيق تنمية متوازنة وتوزيع عادل للسلطة والثروة. وتضمن الميثاق تأسيس جيش وطني جديد مهني وقومي يعكس التعدد والتنوع في السودان، مع خضوعه للرقابة المدنية من اليوم الأول لتأسيسه. كما دعا إلى تشكيل شرطة ومخابرات مهنيتين دون ولاءات سياسية أو قبلية. وشدد الميثاق على أهمية تحقيق العدالة ومحاسبة جميع مرتكبي الجرائم، بما في ذلك جرائم الحرب والانتهاكات التي ارتُكبت خلال الصراع الدائر.
كما أكد الميثاق على أن تشكيل الحكومة يهدف إلى إنهاء الحروب وتحقيق سلام شامل وعادل، مع ضمان تدفق المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى جميع ولايات السودان. ورغم الانقسامات الحالية، شدد الميثاق على أهمية الحفاظ على وحدة البلاد واستعادة الحقوق الدستورية لجميع المواطنين دون تمييز.
من وقّع على الميثاق؟
وقّع على الميثاق أكثر من 20 حزبًا وحركة مسلحة وجسمًا مجتمعيًا، من أبرزهم قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (ميثاق سلام “حميدتي”). والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبد العزيز الحلو. وتحالف الجبهة الثورية بقيادة الهادي إدريس، عضو مجلس السيادة السابق.
هل يدعو الميثاق إلى تفرقة جديدة؟
رغم أن الميثاق يدعو إلى وحدة السودان وحل النزاعات، إلا أن توقيعه من قبل قوات الدعم السريع والجماعات المتحالفة معها يثير تساؤلات حول مدى قدرته على تحقيق هذه الأهداف. فمن ناحية، يرى البعض أن الميثاق يمثّل محاولة من قوات الدعم السريع لتأسيس كيان سياسي موازٍ للحكومة المركزية في بورتسودان، مما قد يؤدي إلى تعميق الانقسامات بدلًا من حلها.
من ناحية أخرى، يشير المؤيدون إلى أن الميثاق يقدم رؤية شاملة لإصلاح الدولة السودانية، بدءًا من فصل الدين عن الدولة ومرورًا بإصلاح المؤسسات الأمنية وانتهاءً بتحقيق العدالة والسلام. ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن لهذه الرؤية أن تتحقق في ظل استمرار الحرب وعدم مشاركة جميع الأطراف الفاعلة في السودان؟
التحديات المستقبلية
تواجه مبادرة “حميدتي” عدة تحديات، أبرزها رفض الحكومة المركزية والتي لا تعترف بها الحكومة في بورتسودان بهذا الميثاق، مما يزيد من تعقيد الوضع السياسي.
ومع استمرار القتال بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، يصبح تحقيق السلام الشامل أمرًا بعيد المنال. كما تفتقر السودان إلى إجماع وطني حول شكل الدولة المستقبلية، مما يعيق أي محاولة للإصلاح.
يُعد ميثاق “حميدتي” محاولة لإعادة تشكيل الدولة السودانية على أسس جديدة، لكن نجاحه يعتمد على قدرته على تجاوز الانقسامات الحالية وجمع جميع الأطراف حول طاولة الحوار. في الوقت الحالي، يبقى السودان على مفترق طرق، حيث يمكن لهذا الميثاق أن يكون خطوة نحو تفرقة جديدة.