بواسطة مع تزايد الضربات في لبنان، أصبح السؤال حول نوايا الاحتلال الاستراتيجية أكثر إلحاحاً.
لقد اختارت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تصعيد الصراع مع حزب الله على حدودها الشمالية، حتى برغم عدم التوصل إلى حل للحرب مع حماس في غزة، وفي وقت تتصاعد فيه أعمال العنف في الضفة الغربية، بما في ذلك من جانب المستوطنين.
لماذا تفعل دولة الاحتلال هذا؟ تشير أغلب التفسيرات إلى أهداف تكتيكية، والتعامل مع التهديدات الفردية فور ظهورها. ولا يوجد ما يشير إلى استراتيجية أساسية لتأمين السلام.
بدلاً من ذلك، يخشى بعض المحللين أن تكون نية إسرائيل هي خلق الظروف المناسبة لشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.
إضعاف حزب الله
يبرر الوزراء الإسرائيليون الهجمات على لبنان باستحضار الرغبة الملحة في معالجة الوضع في شمال الاراضي المحتلة. فقد نزح نحو ستين ألف مستوطن من منازلهم في منطقة الحدود، بسبب هجمات حزب الله الصاروخية فضلاً عن مخاوفهم من غزو واختطاف مثل ما حدث في السابع من أكتوبر.
ومن الممكن أن نأخذ هذا التفسير على محمل الجد إلى حد ما. لقد تزايدت الضغوط السياسية داخل إسرائيل لحل مشكلة النازحين من الشمال، حتى وإن كانت القضية أقل وضوحاً بالنسبة لأولئك الذين يعيشون خارج البلاد. وتتزايد حدة هذه الضغوط مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لأحداث السابع من أكتوبر. ويقول الوزراء إنه “من غير المقبول” أن تُرغَم دولة على التنازل عن استخدام أراضيها على هذا النحو.
ومع ذلك فمن الصعب أن نتصور كيف يمكن لسكان شمال الاحتلال أن يتمتعوا بالثقة الكافية للعودة إلى ديارهم دون عمل عسكري لطرد قوات حزب الله إلى مسافة كبيرة بعيداً عن الحدود.
إن القادة العسكريين يتحدثون بثقة عن غزو سريع لصد حزب الله. ولكن مثل هذه الخطط لا تظل دائماً مرتبة، كما أظهرت التحركات الإسرائيلية السابقة في جنوب لبنان.
إن الهجمات المتفجرة الدرامية التي شنتها أجهزة النداء في لبنان وسوريا الأسبوع الماضي، والتي أدت إلى مقتل وإصابة قادة رئيسيين من حزب الله، من شأنها أن تدمر الكثير من اتصالات المجموعة.
ولكن قواتها لا تزال متجذرة في القرى القريبة من الحدود ولن تكون العملية العسكرية الإسرائيلية في لبنان بالأمر السهل. ومن غير المرجح أن تؤمن الضربات الصاروخية وحدها المنطقة، بل إنها ستستفز صواريخ حزب الله في المقابل ــ كما يحدث الآن.
الحسابات السياسية
إلى جانب الرغبة في إضعاف حزب الله، يشير معلقون آخرون إلى أن العوامل السياسية قصيرة الأجل قد تكمن وراء الهجمات. فما زال نتنياهو تحت ضغط قضايا الفساد في المحكمة. ويعتقد كثيرون أن حالة الصراع الدائم مناسبة له، مما يسمح له بالاستمرار في السلطة وإبقاء المطالبات بالإدلاء بشهادته تحت السيطرة.
كما أن الشعور بالأعداء على جميع الجوانب يمنح الأعضاء الأكثر تطرفاً في حكومته ــ وخاصة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتامار بن جفير ــ الغطاء للمضي قدماً في توسيع المستوطنات والطرق في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية.
منذ السابع من أكتوبر، وافقت الحكومة على التوسع السريع لهذه المستوطنات، التي تعد غير قانونية بموجب القانون الدولي. ووافقت على بناء خمس مستوطنات جديدة، في حين تم إنشاء أكثر من 25 بؤرة استيطانية جديدة، وفقاً لمجموعة مراقبة المستوطنات التابعة لمنظمة السلام الآن، وهي منظمة غير حكومية إسرائيلية. كما وافق سموتريتش على تمويل 70 بؤرة استيطانية غير قانونية من القطاع العام، وربطها بالمياه والكهرباء ورصف الطرق.
في يوم الأحد، وخلال مناقشة مع تشاتام هاوس في مؤتمر حزب العمال، قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إن المملكة المتحدة تتحدث مع الاتحاد الأوروبي حول إمكانية فرض عقوبات على سموتريتش وبن جفير.
سيكون من المثير للجدال أن تفرض المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، الداعمان للاحتلال، عقوبات على وزراء في حكومة منتخبة ديمقراطياً. لكن مخاوفهما تتلخص في أن دولة الاحتلال تستخدم الحرب في غزة والآن مع حزب الله لصرف الانتباه الدولي عن توغلاتها في الضفة الغربية.
مهاجمة إيران
ولكن قد تكون هناك نية استراتيجية أوسع وراء الهجمات الصهيونية الجديدة: التحرك مباشرة ضد إيران، زعيمة ما يسمى “محور المقاومة” الذي يضم حزب الله وحماس والحوثيين في اليمن.
منذ سحب الرئيس الأميركي دونالد ترمب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، الذي وافقت طهران بموجبه على كبح جماح برنامجها النووي، جعلت إيران نفسها في الأساس دولة نووية على عتبة الامتلاك.
لطالما طالبت إسرائيل الإدارات الأميركية بتنفيذ ضربات ضد المنشآت النووية الإيرانية أو دعم هجوم الصهيوني ــ فقط لتلقي رد فاتر من واشنطن.
في يوم الأحد، وصف إسحاق هرتسوغ، رئيس الاحتلال، إيران بأنها “إمبراطورية الشر”. وفي حديثه إلى تلفزيون سكاي، قال إن قوات بلاده “ستزيل أي تهديدات وجودية لدولة إسرائيل”. ومن هرتسوغ، المعتدل الذي لا يدعم نتنياهو كثيرا، كان هذا حديثا حاسما بشكل لافت للنظر.
بالنسبة للدول التي تعمل على تجنب حرب إقليمية، فإن القلق هو أن حكومة الاحتلال ربما تستخدم هجمات لبنان كوسيلة لخلق خيار الهجوم المستقبلي على المنشآت النووية الإيرانية.
إن الاحتلال، من خلال تدمير اتصالات حزب الله باستخدام أجهزة النداء المتفجرة، أضعفت تماسك الجماعة كقوة مقاتلة، وقد تختار إضعاف الجماعة بشكل أكبر، من خلال شن هجوم على لبنان أو غير ذلك. وربما تأمل دولة الاحتلال أن تتمكن من خلال تحييد حزب الله بشكل كافٍ في الأشهر المقبلة من التحرك ضد إيران دون الحاجة إلى القلق بشأن حدودها الشمالية.
ويشعر المحللون بالقلق من أن دولة الاحتلال قد تقرر توجيه ضربة بغض النظر عن نتيجة الانتخابات الأميركية، على أمل الحصول على دعم من رئاسة ترامب ولكن على استعداد لتحمل اللوم من إدارة هاريس إذا لزم الأمر.
ومع ذلك، فإن مثل هذه الاستراتيجية ستكون محفوفة بالمخاطر للغاية. إن تصعيد الصراع إلى الشمال – أو الشرق – لن يجلب لإسرائيل حلاً للصراع في غزة.
يشير المسؤولون الغربيون إلى أن المحادثات مع حماس بشأن وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن لا تتقدم بشكل جيد. أضاف كل جانب مؤخرًا شروطًا جديدة: تريد إسرائيل الاحتفاظ بالسيطرة على “ممر فيلادلفيا” على طول الحدود بين غزة ومصر، وتريد حماس إطلاق سراح المزيد من السجناء من السجون الإسرائيلية.
بدون وقف إطلاق النار، ثم الاتفاق على مسار لدولة للفلسطينيين، تخاطر دولة الاحتلال بفقدان المزيد من الدعم الدولي. وعلاوة على ذلك، من خلال توسيع الصراع، لن يكون لديها أي وسيلة للوصول إلى الجائزة الدبلوماسية التي لا تزال معلقة أمامها: تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية، ومن خلال ذلك، المساعدة من جيرانها في احتواء التهديد من إيران.
